سطّر التاريخ الكثير من المواقف للصحابة رضوان الله عليهم في سبيل خدمة الدين الإسلامي، فمنهم من افتدى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحياته وحماه من التعرّض للأذى، ومنهم من قدّم ماله كلّه لإعلاء كلمة الحق، ولم تقتصر عمليّات التضحية على الرجال فقط وإنما كان للنساء دورٌ كبيرٌ أيضاً في التاريخ الإسلامي.
أول فدائية في الإسلام
السيدة أسماء بنت الصحابي الجليل وصديق النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكرٍ الصديق هي أول فدائيةٍ في الإسلام، فقد كانت تذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأباها أبي بكرٍ الصديق وهما في الغار أثناء هجرتهما إلى المدينة المنورة، وكانت تُحضر لهما الطعام وتزوّدهما بأخبار قريش، وقد كانت حاملاً في الأشهر الأخيرة ومع ذلك كانت لا تتوانى أن تصعد الجبال وتتوارى عن أنظار قريش الذين كانوا يراقبون المكان بحثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكرٍ، لذلك لقبت بالفدائية لأنّها خاطرت بحياتها في سبيل تقديم الخدمة للنبي صلى الله عليه وسلّم.
أسماء بنت أبي بكرٍ
هي أسماء بنت عبد الله بن عثمان التيمية وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى القريشية من بني عامرٍ بن لؤي، والدة الصحابيّ الجليل عبد الله بن الزبير، وأخت السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلّم وكانت تكبرها بعشرة أعوامٍ تقريباً، وقد أسلمت أسماء مع النبي صلى الله عليه وسلّم حين كان عمرها يقارب الرابعة عشر، وكانت من أوائل الذين أسلموا وبايعو النبي.
سُمّيت بذات النطاقين لأنها لم تجد رباطاً لتربط به الطعام والشراب الذي كانت تأخذه للنبي صلى الله عليه وسلّم ووالدها في الغار فأخذت نطاقها، وشقته نصفين ووربطته بها، فلقّبها النبي "بذات النطاقين".
تزوجت أسماء الزبير بن العوام ولم يكن يملك شيئاً غير فرسه، فكانت تقوم بكل الأعمال بحبٍ وطاعة وصبر على المشقّة حتى بعث لها أبو بكرٍ خادماً ليعينها، ومع ذلك كانت كريمةً وسخيةً، وعزيزة النفس ولها الكثير من المواقف مع الصّحابة رضوان الله عليهم.
عندما هاجرت أسماء بنت أبي بكرٍ كانت حاملاً بابنها عبد الله بن الزبير، وعندما وصلت قباء جاءها المخاض وولدت فيها عبد الله، وكان هو أوّل مولودٍ ذكر يولد للمهاجرين بعد هجرتهم من مكة المكرمة، وقد كانت اليهود قد أشاعت أنّها عملت للمسلمين المهاجرين سحراً بحيث يموت لهم كل مولودٍ ذكرٍ، فعندما جاء عبد الله أخذه المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فحنكه وقبّله ثم أخذوه وطافوا به المدينة مهلّلين ومكبرين.
تُوفّيت السيدة أسماء بعد ليالٍ قليلةٍ من وفاة ابنها عبد الله بن الزبير؛ حيث كان مَقتله في السابع عشر من شهر جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين للهجرة.