خلق الله تعالى الإنسان و كلفه بأداء العبادات، طاعةً ورضواناً، وميّزه عن باقي خلقه بالعقل ليتفكّر بخلقه تعالى، ومن العبادات التي فرضت على الإنسان الصّلاة، والصّوم، والزّكاة، والتّمتع بالأخلاق الحسنة، و التّعامل بالحسنى، وهذه العبادات لا تكلفة فيها ولا عناء، يؤدّيها المسلم باستمرار.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" من العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما "، وهذه صفة العمرة للرسول صلّى الله عليه وسلّم.
كيف يتم أداء مناسك العمرة
إنّ صفة العمرة الصّحيحة هي أن يُحرم المسلم من الميقات الذي يمرّ يه، وعليه قبل أن يحرم أن يقوم بتقليم أظافره، وأن يغتسل، ويتطيّب، ويتجرّد من الثّياب، ويلبس الإزار الذي يستر أسفل الجسد، وهذا للرجل، ويستر جزأه الأعلى برداء، ثمّ يحرم للعمرة، فيقول:" لبيك اللهم عمرة "، ومن المستحبّ أن يكون ذلك بعد أدائه للصلاة، ثمّ عليه أن يطوف بالبيت حال وصوله إليه سبعة أشواط، حيث يبدا الشّوط الأوّل من عند الحجر الأسود، ويقبله إن استطاع ذلك، وإلا فإنّه يشير إليه بيده، وينتهي الشّوط عند الحجر الأسود كذلك.
وعليه أن يرمل في الأشواط السّبعة الأولى، أي أن يسرع في مشيه مع التقارب بين الخطوات، وعليه أن يضطبع في الأشواط السّبعة كلها، أي أن يكشف كتفه الأيمن من تحت الرّداء، وعند إكماله للأشواط السّبعة يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثمّ يشرب من ماء زمزم، وبعدها يتجه نحو الصّفا والمروة، ويسعى بينهما، وعليه أن يرمل بين الميلين الأخضرين، وينتهي أداء الشّوط السّابع عند المروة، وعلى المسلم أن يكثر من الدّعاء، وأن يذكر الله عزّ وجلّ عند السّعي والطواف، وعند إتمامه للسعي فإنّ عليه أن يحلق أو يقصر شعر رأسه، والحلق أفضل. (1)
أركان العمرة
إنّ للعمرة أركاناً لا تصحّ إلا بها، وهي على وجه التفصيل كالتالي: (2)
الإحرام
إنّ الصّبغة الشّرعية للحجّ والعمرة تعني التجرّد لله بالظاهر من كلّ لباس، إلا الإزار والرّداء، وفي باطن الإنسان من كلّ شيء سوى الله عزّ وجلّ، وذلك أنّ العبد يأتي المناسك جميعها وهو بدون أيّ طيب أو زينة، إلا ما كان قبل أن يحرم، ومن قام بأي فعل يخلّ بالإحرام فإنّه يلزمه فدية وإن سقط الإثم، وهناك مستحبّات للإحرام على المسلم أن يراعيها ويعمل بها، والإحرام في معناه يعني أن يعقد المسلم النيّة بالإحرام، وذلك مع رفع صوته بالتلبية، أي يقول: لبيك عمرةً، أو لبيك حجّةً، أو لبيك حجّةً وعمرةً، وذلك بحسب نيّته.
ومن المستحبّ للمسلم أن يغتسل للإحرام، فمن أراد أن يحرم يستحبّ له أن يغتسل، ويعتبر ذلك سنّةً وليس فرضاً، وفي حال أحرم المسلم من دون اغتسال فإنّ ذلك جائز وإحرامه صحيح، ويغتسل المسلم من الميقات الشّرعي وذلك عند إحرامه، حتى إن وجد مكاناً آخر قبل الميقات، والاغتسال عند الإحرام من نفس المكان الذي سيحرم فيه هو سنّة من السّنن، والاغتسال مستحبّ لكلا الجنسين، وذلك سواءً أكانت المرأة على طهارة، أم حائضاً، أم نفاساً، لأنّ هذا الاغتسال هو للتنظف والتطهّر. (2)
الطواف
إنّ الطواف الصّحيح هو صفة طواف النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وله عدّة شروط، وسنن، وواجبات، فأمّا شروط الطواف فهي خمسة، منها الطهارة من النّجس والحدث، سواءً في الثوب، أو البدن، أو المكان، لأنّ الطواف بالبيت صلاة، لذلك على المسلم أن يكون طاهراً عند طوافه بالبيت كما يتطهّر للصلاة والوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ. والشّرط الثّاني أن يكون الطواف داخل صحن المسجد، سواءً أكان ذلك في الدّور الأوّل أو الثّاني، فكلّ هذا جائز، وأمّا الطواف في خارج المسجد فإنّ ذلك غير جائز، حيث أنّ الطواف كان يجب أن يتمّ في داخل المسجد.
وأمّا الشّرط الثّالث فهو أن يكمل سبعة أشواط، وأمّا الرّابع فهو التّرتيب، حيث يبدأ الطواف بالحجر الأسود، وينتهي عند الحجر الأسود، ويكون الحجر الأسود والبيت على جهة اليسار، وأمّا الخامس فهو أن يكون جسده خارجاً عن البيت، بمنعنى أن يكون الطواف في أرضية صحن المسجد، والطواف لابدّ أن يكون من خلف او وراء الحجر. (2)
السعي بين الصفا و المروة
يعتبر كلّ من السّعي بين الصّفا والمروة ركناً من أركان الحجّ أو العمرة، وذلك قول لثلاثة من العلماء، والرّاجح بين هذه الأقوال هو أنّها ركن من أركانها، والمختلف في ذلك هو رواية الإمام أحمد، فقد روي عنه روايتان، أحدهما أنّه ركن من أركان الحجّ أو العمرة، والآخر أنّه سنّة، وبالتالي لا يجب عند تركه الدّم، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا "، البقرة/158.
وقد روي عن الحنابلة أنّ السّعي واجب، وهو قول للقاضي أبي يعلى، حيث قال:" هو واجب وليس بركن، فإذا تركه وجب عليه دم "، وهذا ما اختاره أيضاً أبو محمد بن قدامة، ولكن ما ورد عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله، يذهب إلى أنّها ركن من أركان الحجّ أو العمرة. (2)
مواقيت الحج والعمرة
تعتبر السّنة كلها وقتاً للعمرة، حيث أنّه يجوز أن يتمّ الإحرام بها في أيّ وقت من العام، وهي غير مكروهة في ايّ وقت، سواءً أكان ذلك في أشهر الحجّ أم في غيرها، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون المسلم قد تلبس بمناسك الحجّ، وبالتالي لا ينبغي له أن يأتي بعمرة بعدها، خصوصاً إذا كان قد اقترب من فكّ إحرامه، أو بدأ يتحلل من الحجّ، وبالتالي لا يدخل في إحرام جديد بعمرة، ولكن عليه أن يتحلل من الحجّ، وبعد إنتهائه من الحجّ يكون هذا أمر جديد.
ويعتبر هذا قول كلّ من أحمد، ومالك، وداود، والجمهور من العلماء، ولا وجود لكراهيّة تكرار العمرة أكثر من مرّة في السّنة الواحدة، ومن المستحبّ الإكثار منها، فيمكن أن يؤدّي المسلم عمرةً في رمضان، وفي غيره من الأشهر مثل شهور الحجّ، وفي ذلك خير عظيم للمسلم، والله سبحانه وتعالى ينقّي المسلم من ذنوبه بالحجّ والعمرة.
ومن أراد أن يحرم للحجّ أو العمرة فإنّ عليه أن يحرم من الميقات المكاني، والميقات: هو الموضع، وهو الوقت، والميقات على نوعين، زماني ومكاني، والميقات الزّماني يعني الأوقات التي تجوز فيها العمرة من السّنة، أمّا الميقات المكاني، فهو المكان الذي يمرّ به المسلم لدى ذهابه إلى الحجّ أو العمرة، وعليه أن يحرم من الميقات الذي يمرّ به، إلا في حال كونه مقيماً أو من أهل مكّة، وبالتالي إن كان في مكّة فعليه أن يخرج إلى الحلّ، ثمّ يحرم منه ويعتمر. (2)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 3161/ أداء العمرة من بدئها إلى نهايتها/ 4-4-1999/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة و الحج و الزيارة / الشيخ أحمد حطيبة/ دروس صوتية