منذ فتحت بيت المقدس وبلاد الشام على عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في القرن السادس الميلادي، وخلصت من عهد الرومان، عاش المسيحيون في فترات نعيم وسلام، حيث أكرمهم المسلمون وعاملوهم معاملة حسنة، لكن النصارى لم يحفظوا العهد ولم يقابلوا إحسان المسلمين إليهم إلا بالإساءة، وقد ظلت أطماعهم في السيطرة على بيت المقدس محفورة في عقولهم وقلوبهم، فهم يرون بأنه أحق الناس في هذه البلاد المقدسة بزعمهم، لذلك ظلوا يعدون أنفسهم لمهمة احتلال القدس، وعندما كانت الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية تتعرض للكثير من الحملات من قبل السلاجقة المسلمين إرتأى البيزنطينيون شن حملات متكررة تتوجه نحو الشرق للإنتقام والثأر من المسلمين، كما أن الخيرات التي كانت تنعم بها بلاد الشرق وخصوصا الشام وبيت المقدس كانت تستهوي قلوبهم، وقد سميت الحملات التي كانت ترعاها الكنيسة الكاثولوكية وتباركها بالحملات الصليبية وهي الحملات التي أخذت طابع الاستمرارية والتعاقب، وقد كان من سمات هذه الحملات أنها أخذت كذلك طابعا مقدسا حيث كان يرفع الصليب على أشرعة السفن، كما كان الجنود الصليبيون يضعون علامات و دلائل الصليب باللون الأحمر على صدورهم وأكتافهم، وإن الطابع المقدس لهذه الحملات ورعاية الكنيسة لها ساهم في استقطاب الكثير من النصارى للإنضمام إليها حيث تشكلت فيها اثنيات من السلاف والنصارى الروس والأرثذوكس اليونان وغيرهم من العرقيات كالمغول الذين التقت مصالحهم مع الكنيسة التي كان تقدم لهم الوعود مقابل الحصول منهم على التسهيلات والدعم اللوجستي، وقد كان من نتائج الحملات الصليبية على الشرق أن قام الصليبيون بالإستيلاء على القدس عام 1099 ميلادي حيث استهلوا حكمهم باستعباد المسلمين وقهرهم وقتل الآلاف من الأبرياء من المسلمين حيث تحدثت بعض الروايات عن مقتل ما لا يقل عن سبعين ألف مسلم ملأت دماؤهم طرقات بيت المقدس، وقد استمر حكمهم لبيت المقدس ما يقارب مئة سنة مثلت أبشع فترات الحكم التي مرت على هذه الأرض عبر تاريخها.
وقد شكل احتلال بيت المقدس مرارة في نفوس المسلمين نظرا لمكانتها الرمزية كواحدة من أقدس الأماكن بالنسبة للمسلمين، وقد بقي المسلمون يسعون لاستردادها من الصليبيين وقد تكللت جهودهم بالنجاح حين هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين الشهيرة عام 1187 ميلادي لينهي بذلك شر الحروب الصليبية وأطماعها في ثروات الشرق وبلادها، ليأتي عام 1920 ويعبد الجنرال الفرنسي أمجاد الحروب الصليبية حين دخل الشام ووقف على قبر صلاح الدين الأيوبي ليقول بلسان كله حقد وعصبية، هاقد عدنا يا صلاح الدين، فهل يفيق المسلمون على أحقاد وتربص المشركين؟، سؤال يظل برسم الإجابة.