تطورت فكرة الصليبية في العصور الوسطى ، الفكرة والتي انسلخت من فكرة نهاية العالم في الثقافة الأوروبيّة ، لتبدأ فكرة الحج المسيحي المسلح تحت قناعة ( الغفران الصليبي ) ، و ( الحرب المقدسة ) ، لتتكون بعدها فكرة الحملة الصليبية ويبدأ زمن الحروب الصليبية ، وكان من اتخاذ اسم الصليب الذي أطلق على الحملة كفكرة للتضليل عن الأهداف الأساسية للحملة والتي ارتدت من الرمز الديني شعارً لخوض الحروب لتكون السباقة في ارتكاب الجرائم وبث الفساد تحت شعار الدين وطلب الغفران .
بدأت الحملة الصليبية في مطلع الألفية الأولى للميلاد ، في فرنسا بعد خطبةٍ ألقاها البابا أربان الثاني بـ ( كليرمون ) جنوبي فرنسا ، حيث دعا في خطبته الشهيرة تلك إلى شن حملةٍ تحت راية الصليب وبإسم الدين ، للقضاء على المسلمين في فلسطين ، وإن تم فعل هذا ستدخل الحملة في رحاب التاريخ .
كان لتلك الحملة الأثر الكبير في تحريك تاريخ الغرب ، وتسيطر على العقول هناك لقرونٍ طويلة لتشكل تلك الحملة جزءاً حياً وحيوياُ في عالمهم ، وقد شارك الكثيرين في تلك الحملة بشتى الصور ، سواء في الخروج في الحملة التضليلية تلك ، أو في تمويلها ، ونرى تأثير ونتائج تلك الحملة جلياً في مختلف الفنون ووالآداب هناك ، فنادراً ما نعثر على كاتب لم يشر بأعماله إلى تلك الحملة ، وكان لها التأثير ونتائج الكبير في الأعمال الفنية هناك .
أقامت الحملة الصليبية العديد من المستوطنات على الأراضي العربية في فلسطين ، التي كانت هي المقصد الرئيسي والهدف الأساسي من تشكيلها ، وامتدت إلى أعالي بلاد الشام ، وبض الأجزاء من الجزيرة العربية ، أطلق عليها العرب ( حروب الفرنج ) ، كانت لتلك الحملة السبب الرئيسي في تعطل حركة النمو والأبداع في البقاع التي أقامت عليها ، وأضعف أسسها وأدى إلى إنهيار الحضارة العربية الإسلامية ، لتقع الدول العربية فريسةُ سهلة تحت ايدي الدولة العثمانيّة بعد انتهاء الحملة الصليبية عليها ، ولكن الدولة العثمانية قد حافظت على العالم العربي من السقوط تحت براثن الإستعمار الغربي على مدى ثلاثة قرون ، ولكنها عجزت عن بث الروح من جديد في الحضارة التي بدأت تحتضر بعد ازدهار دام لعقودٍ طويلة ، حتى أصبحت فيما بعد حتى يومنا هذا ورقة الصراع التي يستخدمها العالم الغربي كلً حسب مصالحه في المنطقة ، وتصبح الدول العربية ترزح تحت ظلمة التبعية والإستعباد لتلك الدول .
ومن هنا كانت الحملات الصليبية أولى المشاريع الإستعماريه التي أطلقت الرصاصة الأولى في قلب الحضارة العربية تحت شعار الدين ، وأيضاً كانت تلك الحملة هي أولى الحملات المقنعة بإسم الدين ، لتبدأ بعدها الصراعات الطائفية في المنطقة والتي ما زالت تتشكل مثيلاتٍ لها تحت أسماء الدين كما يحدث في أيامنا هذه ، التنظيمات التي تظهر والتي تحمل شعار الدين ، وتمارس القتل والتشويه والتعذيب وبث الخراب والرعب والخوف على الأرض ، وتمارس القتل بأبشع صوره ، وهذا يجعلنا نتوقف قليلاً عند هذه النقطة ، ان كانت الحملات الصليبية قد انطلقت من قلب الغرب ، فإن التنظيمات الإسلامية ، والتي تنتشر بقوة في المنطقة العربية ، وهدفها أيضا المناطق العربية ، لتجعلنا ندرك بأن مصدر هذه المنظمات الإرهابية البشعة هو الغرب نفسه ، بصورة مختلفة ، ودينٍ وشعارٍ مختلف ، ولكن تحمل الهدف ذاته التي كانت تدعو له الحملة الصليبية ، ألا وهو القضاء على العرب ، ولو أدى الأمر إلى حرق البلاد العربية عن آخرها .
