يتبادر إلى ذهن الكثير منّا حين يسترجع ذكريات الماضي وما كان يُعرض على شاشات التّلفاز برنامجٌ علميّ إيمانيّ كان يقدّمه أحد الأطباء المصريّين، ويدعى هذا البرنامج العلم والإيمان؛ حيث كان يحاول الرّبط بين الآيات القرآنيّة والعلم الحديث، كما كان يسبر أغوار وأسرار القرآن الكريم، ويستخرج كنوزه وعجائبه التي تدلّ على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
ولد مصطفى محمود عام 1921 ميلادي، ونشأ في منطقة ميت الكرماء بجانب أحد مساجد الصّوفيّة، وهو من الأشراف الّذين يرجع نسبهم إلى عليّ بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، وقد أحبّ مصطفى محمود العلم منذ صغره؛ حيث اشتهر بصناعة الصّابون والمبيدات التي تقضي على الحشرات، وقد عكف على النّظر في جثث الحشرات ومحاولة تشريحها، وقد بقي حبّ التّشريح مسيطرًا على عقل مصطفى محمود وتفكيره حتّى كان يجلس السّاعات الطّويلة في المشرحة أيّام دراسته الجامعيّة ينظر في أسرار الموت والحياة، حتّى لقّب بالمشرحجي بين أقرانه، وقد درس مصطفى محمود في كلية الطبّ وتخصّص في الأمراض الصّدريّة ليتخرّج منها عام 1953 ميلادي.
لم يشتغل مصطفى محمود في الطبّ كثيرًا، وإنّما عكف على البحث والتّأليف في مجال العلوم والآداب والفلسفة، وقد ألّف ما يقارب من تسعةٍ وثمانين مؤلفًا في مجالاتٍ متنوّعة، وكان من أشهر كتبه كتاب حوار مع صديقي الملحد، وكتاب رحلة الإنسان من الشكّ إلى الإيمان، وغيرها الكثير من الكتب التي حازت على إعجاب الكثير من النّاس والدّراسين.
وقد مرّ مصطفى محمود كغيره من العلماء في رحلة بحثٍ وتحرّي عن الحقيقة لمدّة ثلاثين سنة، لتنجلي تلك المدّة وشخصيّة مصطفى محمود قد صقلت بكثيرٍ من العلم والبرهان العلمي والمنطقي على كثيرٍ من الآيات الكونيّة.
وقد تعرّض مصطفى محمود كذلك إلى أزماتٍ فكريّة منها: إصداره لكتابه الله والإنسان الّذي حاربه الأزهر الشريف بحجّة احتوائه على أفكارٍ مخالفة للشّريعة، وقد اكتفى الأزهر حينها بمصادرة نسخ هذا الكتاب، وقد كانت هذه القصّة في عهد جمال عبد النّاصر، وعندما جاء عهد السّادات قام بتكريمه؛ بل وعرض عليه في وقتٍ لاحق تولّي إحدى الوزارات، ولكنّه رفض رفضًا شديدًا.
ومن المسائل التي أحدثت جدلًا فكريًّا في حياة مصطفى محمود أفكاره في مسألة الشّفاعة؛ حيث رأى بأنّها سبب لاتّكال البعض أحيانًا، إلا أنّه لم ينفِها من حيث المعنى الشّامل الغيبيّ لها، وقد سبّبت تلك الأفكار محاربة كثيرٍ من العلماء له، وقد أصيب بجلطةٍ في أواخر حياته، واعتزل في بيته حتى وافته المنيّة في اليوم الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر عام 2009.