معنى الكبد هو التعب والمشقة، فالإنسان خلق ووجد في هذه الحياة ليصارع فيها ويكابد أمر الدنيا والآخرة، وقد قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم في هذا الشأن واصفا حال الإنسان في حياته الدنيا: (ولقد خلقنا الإنسان في كبد)، والمعنى في هذه الآية، أن الله -عز وجل- خلق الإنسان وجعله يصارع الكبد وهو في بطن أمه إذ يكون حين في ضيق شديد نتيجة وجوده في رحم أمه، وما ينتج عن هذا الأمر من معاناة في مواجهة الضيق والظلمات التي يواجهها وحده.
وتستمر معاناة الإنسان وذلك عندما يدنوا أجله ويحين وقت خروجه من رحم أمه، اذ أنه وفي أول نسمة هواء يتنفسها وتدخل إلى صدره يواجه أشد الألم، وتبدأ رحلة معاناته وما يتلاقاه من كبد العيش ومشقته، ويعد كل ذلك في إطار المرحلة الأولى التي يواجه فيها الإنسان الألم والمعاناة، ويكون فيها الإنسان في كبد وضنك وألم ومعاناة.
يمر الوقت، وبعد أن يعتاد الإنسان ويتغلب على آلامه ومعاناته الأولى يبدأ الألم والمعاناة بالظهور من جديد وهذه المرة عندما يحين وقت الفطام، فيواجه الإنسان فيها أشد الألم والمعاناة، وذلك في ابتعاده عن أمه وانقطاعه عن صدرها، ويتسبب هذا الانقطاع عن صدر الأم وحليبها بألم شديد يشعر به الإنسان إذ يكون طفلا في ذلك الوقت، ويستمر هذا الألم لأيام وربما لأسابيع إلى أن يتمكن الإنسان من الاعتياد على هذا الأمر وطريقة غذائه الجديدة.
وبمرور الوقت أيضا يكون الإنسان قد دخل مرحلة أخرى وهي مرحلة التسنين، والتي تشهد مرور الإنسان بأشد ألم لا ينقطع عنه لأيام عديدة، يتعذب من خلالها أشد العذاب، حتى إذا ما اقترب الإنسان من البدء في التعليم يكون قد دخل في مرحلة جديدة، وتكون هذه المرحلة هي من أهم وأكثر المراحل الذي سيعاني منها الإنسان، وسيظل يكابد فيها ليال وأيام طوال.
فخلال هذه المرحلة يسهر الإنسان في الليل للجد والاجتهاد، ويخرج في الصباح الباكر إلى المدرسة لأداء ما عليه، فيواجه فيها كثيرا من التعب في سبيل أن يتميز ويتفوق في دراسته حتى إذا ما اقترب من ساعة التخرج والانتهاء من الدراسة سيظن حين إذ أنه انتهى من مرحلة التعب والكبد، ولكنه للوهلة الأولى لا يدرك أنه دخل مرحلة أخرى من المعاناة، وهي مرحلة الالبحث عن وظيفة وعن عمل يستطيع من خلاله أن يستمر في الحياة، وبعد أن ينتهي من هذا الأمر ويظن أنه قد حان وقت الراحة، يواجه هما جديدا، وهو هم الزواج وبناء العائلة إلى أن يتزوج ويرزقه الله بالأبناء، فيأتي هم جديد، وهو هم تربية الأبناء ونحو ذلك، فالإنسان في هذه الدنيا مقدر عليه أن يعيش فيها في كبد مستمر إلى أن يتوفاه الله، فأما إلى راحة كبيرة وهي الجنة، وأما إلى حياة تعيسة وهي النار والعياذ بالله.