المعلقات الأدبية
المعلقات هي أشهر ما كتب الشعراء العرب في العصر الجاهلي قبل الإسلام، وقيل إنها سميت بالمعلقات، لأنها تشبه العقود الثمينة كونها تعلق بالأذهان لشدة جمال معانيها وعذوبة ألفاظها، وفي رواية أخرى يقال إنها سميت بالمعلقات لأنها كانت تكتب بماء الذهب على صحائف وتلقى على أستار الكعبة قبل مجيء الإسلام، حيث اعتبرت هذه القصائد من اجمل وافضل وأروع ما قيل في الحب والغزل في الشعر العربي القديم، وهذا ما جعل الناس يقبلون على تدوينها وحفظها عن ظهر قلب، كما اهتموا بكتابة شروح وافية لكلماتها نظرا لصعوبة واضحة في بعض مصطلحاتها.
اختصت غالبية المعلقات بالحب والغزل والحديث على الشوق واللوعة التي تعتري الشاعر نحو محبوبته، وغالبا ما كانت تبدأ تلك المعلقات بالوقوف على الأطلال وتذكر ديار المحبوبة ووصف الشوق والحنين إليها والتغزل بمحاسنها، ويقال بأن حماد الراوية هو أول من قام بجمع القصائد السبع الطوال وأطلق عليها اسم المعلقات أو السموط، وقد توالى اهتمام الأدباء والكتاب العرب بدراسة هذه المعلقات وتحليلها بدقة، ومنهم ابن الكلبي، وابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، وقد تباينت آراؤهم حول عدد هذه المعلقات، فبعضهم كان يهمل شاعرا ويتذكر آخر، من هنا اعتبر البعض بأن عدد المعلقات سبع معلقات، والبعض الآخر ذكر بأنها عشر. (1)
شعراء المعلقات وقصائدهم
تميز عشرة شعراء من العصر الجاهلي الأول والثاني بكتابة قصائدهم الأدبية والتي عرفت فيما بعد بالمعلقات، وتحتل المعلقات موقعا أدبيا مميزا في تاريخ الأدب العربي، وفيما يأتي المعلقات العشر مع تعريف ومعنى بشعرائها.
زهير بن أبي سلمى
ترعرع في عائلة أدبية مميزة في الشعر، حيث إن أباه، وخاله، وشقيقتيه، وأبناءه كلهم كانوا شعراء، وهذا ساعده بأن يكون مميزا عن غيره، فقد كان ترتيبه من أول ثلاث شعراء في العصر الجاهلي، كما لقب بحكيم الشعراء في العصر الجاهلي، ويقال إنه تربع على قمة الأدب العربي، مما جعل كثيرا من أئمة الشعراء يفضلونه على غيره من الشعراء.
وكانت تسمى قصائده بـ (الحوليات)، وكان ينظم قصيدته خلال شهر ثم يعيد تنقيحها وتهذيبها عاما كاملا، فقصائده كانت تدعو إلى السلام والتصالح، والتسامح، والإصلاح، وتحتوي أيضا على بعض الحكم والأمثال، كما امتاز شعره بالصدق والرزانة، ولا تخلو من الغزل أيضا، وكان يتصف بأخلاق المؤمنين متمسكا بالفضيلة، وعرفت عنه الشجاعة، وحب السلام، والإقدام، والرزانة، والتروي. (2)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة التي نظمها: (3)
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتثلم
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجع وشم في نواشر معصم
بها العين والآرآم يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة
فلأيا عرفت الدار بعد توهم
أثافي سفعا في معرس مرجل
ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
فلـما عرفت الدار قلت لربعهـا
ألا أنعم صباحا أيها الربع واسلـم.
امرؤ القيس
هو الشاعرالملقب بامرئ القيس بن حجر بن الحارث، اسمه حلاج، وسمي أيضا بالملك الضليل، ولد بنجد عام 496م وتوفي عام 544م، من أشهر شعراء العرب على الإطلاق، بدأ حياته الشعرية منذ نعومة أظفاره، وكان يلقي الشعر وهو صغير، وكان يلهو ويلازم صعاليك العرب، الأمر الذي أزعج والده الذي كان سيد قومه آنذاك فنهاه عن معاشرتهم، ولكن امرأ القيس لم يكف عن مخالطتهم، فقام والده بإرساله إلى حضرموت مسقط رأسه حتى يكف عن ذلك، وكان عمره آنذاك عشرين عاما، وتوفي في أنقرة إثر قروح ألمت ببدنه من جراء سم مدسوس له، ودفن هناك.(4)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة التي نظمها: (1)
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمال
ترى بعر الآرآم في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وقوفا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وإن شفائي عبرة مهراقة
فهل عند رسم دارس من معول.
طرفة بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد، هو شاعر جاهلي ينتمي إلى عائلة شاعرية من طرف الأم والأب، وتميز شعره بالحكمة، كان يتجرأ على الهجاء بسبب مكانته في قومه، إلا أن ذلك أغضب ملك عمرو بن هند بسبب أبيات هجاه فيها طرفة، فأمر بقتله وهو شاب في السادسة والعشرين من عمره، فقتل على يد المكعبر، ولهذا سمي بالغلام القتيل، كان شعره قليلا لأنه لم يعش طويلا، ولكنه كان مليئا بالأحداث والخواطر.(5)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة التي نظمها: (3)
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجلد
كأن حدوج المالكية غدوة
خلايا سفين بالنواصف من دد
عدولية أو من سفين ابن يامن
يجور بها الملاح طورا ويهتدي
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسم الترب المفايل باليد
وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن
مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد.
الأعشى
الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل والمكنى بأعشى قيس، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كان يسمى بصناجة العرب لأنه كان يغني بشعره، وكان يلقب بالأعشى لأنه كان ضعيف البصر ثم عمي آخر عمره، تنوع في ألفاظ شعره بعدة لغات أشهرها الفارسية؛ وذلك لأنه كان يفد ملوك فارس وغيرهم، ولحق زمن الإسلام، لكنه لم يسلم، وتوفي بمدينة اليمامة قرب الرياض، ودفن هناك.(6)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة التي نظمها: (3)
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟
غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها
مر السحابة ، لا ريث ولا عجل
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
كما استعان بريح عشرق زجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها
ولا تراها لسر الجار تختتل
يكاد يصرعها، لولا تشددها
إذا تقوم إلى جاراتها الكسل.
عنترة بن شداد
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية، هو شاعر وفارس جاهلي من الطبقة الأولى، عرف بعزة النفس، وكسب شيم وتسامح وحلم العرب، بالإضافة إلى عذوبة شعره، تميز ببشرته الداكنة التي اكتسبها من والدته الحبشية، وعرف بحبه لعبلة ابنة عمته، وكان يذكرها في معظم قصائده، التقى بالشاعر امرئ القيس، وقتل على يد الأسد الرهيص.(7)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكأنها
فدن لأقضي حاجة المتلوم
وتحل عبلة بالجواء وأهلنا
بالحزن فالصمان فالمتثلم
حييت من طلل تقادم عهده
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
حلت بأرض الزائرين فأصبحت
عسرا علي طلابك ابنة مخرم.
عمرو بن كلثوم
عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب، شاعر جاهلي معمر، يقال إنه عاش 150عاما، وكان سيد قومه في تغلب، وارتبط اسمه بالعظمة، كما عرف بالشجاعة وعزة النفس، تجول في بلاد الجزيرة العربية والشام والعراق، ونظم معلقته الشهيرة، ويقال إنها تحتوي تقريبا على ألف بيت، ولكنها تفلتت من بعض الرواة، تتميز معلقته بالعجب والفخر والعزة، كما يتصف شعره بالسهولة والوضوح، والبعد عن المنمقات.(8)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
ألا هبي بصحنك فاصبحينـا
ولا تبقي خمـور الأندرينـا
مشعشعة كأن الحص فيهـا
إذا ما الماء خالطها سخينـا
تجور بذي اللبانة عن هـواه
إذا ما ذاقهـا حتـى يلينـا
ترى اللحز الشحيح إذا أمرت
عليـه لمـاله فيهـا مهينـا
صبنت الكأس عنا أم عمـرو
وكان الكأس مجراها اليمينـا
وما شـر الثـلاثة أم عمـرو
بصاحبك الذي لا تصبحينـا.
النابغة الذبياني
هو الشاعر الجاهلي زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني أبو أمامة، عاش في الحجاز، معظم الشعراء كانوا يقصدونه في سوق عكاظ ليعرضوا عليه شعرهم، كالخنساء، والأعشى، وحسان، عرف بشعره الذي يخلو من التكلف، لقب بالنابغة لأنه كان احسن وأفضل الشعراء ديباجة، وأكثرهم لطفا، وقد أصبح شاعرا وهو في سن متقدم من عمره.(9)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
يا دار مية بالعلياء فالسند
أقوت، وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها
عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ردت عليه أقاصيه ولبده
ضرب الوليدة بالمسحاة قي الثأد
خلت سبيل أتي كان يحبسه
ورفعته إلى السجفين فالنضد
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا
أخننى عليها الذي أخنى على لبد.
لبيد بن ربيعة
لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامري، شاعر وفارس جاهلي مخضرم من قبيلة نجد، اتصف بالعفة، كان يرفض أن يكتسب من شعره، عاش سيد قومه كريما معطاء، يقدم العون للجميع، كما يتسم بالفخر، وانتهج في شعره أسلوبين: الأسلوب الصحراوي؛ أي تكون ألفاظ و معاني الشعر جافة، والأسلوب الغنائي بحيث استخدم فيه عذوبة الألفاظ ورقتها. اعتنق الإسلام والتقى برسول الله -عليه السلام-، كتب في الإسلام فقط بيتا واحدا، ويعتبر من المؤلفة قلوبهم.(10)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
عفت الديار محلها فمقامها
بمنى تأبد غولها فرجامها
فمدافع الريان عري رسمها
خلقا كما ضمن الوحي سلامها
دمن تجرم بعد عهد أنيسها
حجج خلون حلالها وحرامها
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
من كل سارية وغاد مدجن
وعشية متجاوب إرزامها
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
بالجلهتين ظباؤها ونعامها.
عبيد بن الأبرص
عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي، أبو زياد، من مضر، شاعر جاهلي اشتهر بذكائه وحكمته ودهائه، كان يلجأ إليه قومه في فض المنازعات، يتسم شعره بالعفوية الفطرية، وتعدد الموضوعات، والصدق، لغته خشنة جافة، وقد تحدث في شعره كثيرا عن الناقة، ووصف الديار الخالية، كما شدد على الأخلاق، والحكمة، والسلوك الاجتماعي. تحتوي أشعاره على توجهات فلسفية فكرية، ويعتبر من شعراء الطبقة الثانية في المعلقات، زامن امرأ القيس وكان يلتقي به في مناظرات ومناقضات.(11)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
قفر من أهله ملحوب
فالقطبيات فالذنوب
فراكس فثعيلبات
فذات فرقين فالقليب
فعردة فقفا حبر
ليس بها منهم عريب
إن بدلت أهلها وحوشا
وغيرت حالها الخطوب
أرض توارثها الجدود
فكل من حلها محروب
إما قتيلا وإما هالكا
والشيب شين لمن يشيب.
الحارث بن حلزة اليشكري
الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي، شاعر جاهلي عراقي أبرص، هو من أشراف قوم قبيلة بكر، اشتهر بالفخرالعظيم بقومه حتى أصبح مضربا للمثل، تميز شعره بالفخر والاعتزاز، كتب في معلقته عن العرب وأخبارهم ووقائعم، وهذا الذي دفعه لتنظيم معلقته.(12)
- فيما يأتي بعضا من أبيات معلقته المشهورة: (3)
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاو يمل منه الثواء
آذنتنا ببينها ثم ولت
ليت شعري متى يكون اللقاء
بعد عهد لنا ببرقة شماء
فأدنى ديارها الخلصاء
فالمحياة فالصفاح فأعنـا
ق فتاق فعاذب فالوفاء
فرياض القطـا فأودية الشر
بب فالشعبتان فالأبلاء
لا أرى من عهدت فيها فأبكي الـ
يوم دلهـا وما يحير البكاء.
المراجع
(1) بتصرف عن كتاب شرح المعلقات السبع ، حسين بن أحمد ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، صفحة 9
(2) بتصرف عن مقالة الحكمة في شعر زهير بن سلمى، diwan al arab
(3) adab.com
(4) بتصرف عن مقالة امرؤالقيس، alhakawtai.edu
(5) بتصرف عن مقالة طرفة بن العبد، marefeh.org
(6) بتصرف عن مقالة تجربة الأعشى الشعرية، diwanalarab
(7) بتصرف عن مقالة عنترة بن شداد، marefeh.org
(8)بتصرف عن مقالة عمرو بن كلثوم، marefeh.org
(9)بتصرف عن مقالة نبذة حول الشاعر النابغة الذيباني، adab.com
(10)بتصرف عن مقالة عبيد بن الأبرص، hakawati.edu
(11) بتصرف عن مقالة لبيد بن ربيعة، hakawati.edu
(12)بتصرف عن مقالة نبذة حول الشاعر الحارث بن حلزة، adab.com