اليوميات
تمرّ بنا الحياة سريعاً، وفيها من المواقف المفرحة، والمواقف المحزنة ما نتمنى لو أننا أرّخناه، وسجلناه، حتى نستطيع تذكر تاريخه، وتفاصيله، وأسبابه، ونندم أشد الندم على عدم تسجيلنا لهذه الأحداث المهمّة، والتي قد تكون سبباً في تغيير شخصيتنا، أو تغيير نمط حياتنا بأكمله.
الشخص الذي يدوّن مذكراته اليوميّة يستطيع أن يعرف على الأمد البعيد المنحنيات التي تعرّضت لها شخصيّتة صعوداً، أو هبوطاً، مروراً بالأشخاص الذي أثروا فيه إيجاباً، أو سلباً، والمواقف التي غيّرت مسار حياته، فيقارن بين ما كان عليه، ثمّ ما وصل إليه، ويميّز أصحابه من أعدائه، من خلال مسير حياته معهم.
لكن هناك الكثير من الأشخاص يجهلون طريقة تسجيل المذكرات اليومية، ولا يعرفون كيف يبدؤون، أو كيف ينتهون، فيُحجمون عن الفكرة، لأنّه لا يعرف كيفيتها، ومن هنا كان لابد لنا من توضيح هذه الآلية، للإجابة عن السؤال الذي يطرحه الشخص وهو كيف أكتب يومياتي؟
طريقة كتابة اليوميات
لبيان طريقة كتابة اليوميات، يجب أن نتحدث أولاً عن الما هى اسباب التي تدفع الشخص لكتابة يومياته، ثم الخصوصية، ثم آلية الكتابة، ثم أمثلة توضيحية، وذلك كالتالي:
ما هى اسباب كتابة اليوميات
من خلال معرفة ما هى اسباب كتابة اليوميات ستتضح لنا آلية الكتابة، فكتابة المذكرات اليوميات تختلف باختلاف الدوافع التي أدت بالشخص لأن يرغب بهذه المذكرات اليومية، والما هى اسباب هي ما يلي:
- الذكرى: من الأشخاص من يكون الدافع لديه لكتابة اليوميات، هو الذكرى، فهو من الأشخاص الذي يحبون استعادة الذكريات، والوقوف عندها، واسترجاعها، فيعود بين الحين والاخر إلى دفتر يومياته، ويقرأ ويستعيد تلك اللحظات.
- تنمية موهبة الكتابة: من الأشخاص من تكون لديه موهبة الكتابة، ولكن تنقصه الأفكار، والمرجعية الثقافية، فيعتمد على ما يحصل معه من مواقف، وأحداث خلال يومه، ويقوم بتسجيلها بطريقته الخاصة، ويكون بذلك قد أرّخ الأحداث اليوميه، وبنفس الوقت طّور موهبة الكتابة لديه.
- البوح للنفس: من الناس من يرغب بالبوح مع نفسه بكل ما يحصل له من مواقف، خاصة السلبية منها، والتي خانه التعبير والرد في حينها، عندها يفرغ ذلك بالكتابة، ويكتبه في يومياته.
- تحديد إيجابيات الشخصية وسلبياتها: قد يكون سبب كتابة اليوميات هو تحديد إيجابيات الشخصية وسلبياتها، بحيث يبدأ الشخص بتسجيل الموقف الذي حصل معه، وشرح تصرفه الذي قام به، ونقده، ومن خلال تكرار هذه التصرفات، يستطيع تحديد إيجابيات شخصيته وتحديد سلبياتها.
- التوثيق: التأريخ أو التوثيق هو أحد الما هى اسباب التي تدفع الشخص لكتابة يومياته، فهو من الأشخاص الذين يهتمون بمعرفة تاريخ المواقف، والأحداث التي حصلت معهم، فقد ينسون وقتها، وتاريخها بالتحديد، وعند كتابتهم لليوميات، فإنّ ذلك سيكون مسجلاً بالوقت، والشهر والسنة.
الخصوصية
إن دفتر اليوميات هو دفتر خاص، وشخصي جداً، وبالتالي يجب أن يحتفظ به الشخص بمكان غاية في السرية، ولا يستطيع أحد الوصول إليه نهائياً، وذلك لأنّ دفتر اليوميات هو عبارة عن حديث النفس للنفس، فإن لم يحافظ الشخص على خصوصية هذا الدفتر فلن يقوم بتسجيل ما يحصل معه بكل حرية، وسيظل خائفاً من الذين حوله، وسيفقد هذا الدفتر مصداقيته.
أي أنّ اليوميات التي تحصل مع الشخص هي مسألة شخصية جداً، وسيقوم الشخص بتسجيل كل ما حصل معه، في هذه اليوميات، وكل ما أزعجه، حتى وإن كان الأمر بسيط، أو تافه، فطالما أنه يتحدث مع نفسه من خلال كتابته لتلك المذكرات، فلن يخشى أن يتحدث عن هذا الأمر بكل صراحة، وبالتالي سيصبح دفتر المذكرات اليومية، حافظ أسراره.
آلية الكتابة
بعد أن استعرضنا أغلب الما هى اسباب التي تدفع بعض الأشخاص لكتابة يومياتهم، ثم أكدنا على مسألة الخصوصية، والسرية، سنحاول شرح طريقة كتابة اليوميات مع شمل كافة الما هى اسباب التي ذكرناها، وذلك كالتالي:
- توفر دفتر اليوميات: ولا يشترط أن يكون دفتر اليوميات أجندة، بل من الاحسن وأفضل أن يكون دفتراً عادياً، حتى يستطيع الشخص تقسيمه كما يشاء.
- لا يفضّل تسطير الدفتر مسبقاً، بل يقوم الشخص بتسطيره يوم بيوم، فبعض الأيام قد تحتاج فيها أن تتجاوز أكثر من صفحة للكتابة، والأيام الأخرى قد لا تحتاج فيها مثلاً إلا لنصف صفحة.
- عند بداية الكتابة يقوم الشخص بوضع تاريخ اليوم، والشهر، والسنة، ثم يذكر أي يوم من أيام الأسبوع، ويكون ذلك على رأس الصفحة.
- عند قيام الشخص بكتابة يوميّاته على الصفحة وفق الترويسة التي شرحناها سابقاً، يقوم بذكر الساعة التي حصل فيها الموقف، الذي يريد ذكره.
- الوقت الذي يكتب فيه يفضل أن يكون في آخر الليل، أي قبل أن يخلد الشخص إلى النوم، بحيث يقوم بتلخيص ما حصل معه في هذا اليوم ويكتب الأمور الهامة، وبالنسبة للساعة لا مانع من وضعها بشكل تقريبي.
- بالنسبة للمواقف التي يتوجب الدقة فيها بذكر وقت حصولها بالضبط، هنا يفضل أن يسجل الموقف مباشرة على الدفتر، أي في حينه، ويسجل ذلك كعنوان رئيسي، وساعته بالضبط، ثم يتحدث عنه لاحقاً عند بداية كتابة المذكرات قبل النوم.
- يفضل كتابة الأفكار الرئيسية، دون التعرض للتفصيل، ولا مانع من ذكر الرأي الشخصي في بعض المواقف.
أمثلة
قد تتشابه الأيام لدى الكثير منا، حيث إنّ أغلبنا يعيش وفق روتين معيّن، دون أي تغيير على حياته، ولكن ضمن هذا الروتين قد يجد الشخص ما يمكن أن يتحدّث عنه في مذكراته اليوميّة، وهذا لا يعني أن يذكر الشخص تفاصيل التفاصيل، بحيث يجلس الساعات وهو يدون المذكرات، فإن اتبع هذا السلوك، فإنّه سيملّ على الفور، ولن يكمل.
بالتالي يجب على الشخص عند تسجيل مذكراته أن يسجل الأمور الهامّة، التي أثرت فيه خلال يومه، أو يعتقد بأنها ستؤثّر فيه بالمستقبل، ومثال ذلك ما يلي:
- التعرف على صديق جديد: عندها يسجل الشخص ساعة التعارف، ثم يذكر انطباعه الأول عن هذا الشخص، ثم يذكر بعض الأمور الهامة التي تحدثا فيها سوياً.
- مشكلة مع شخص ما: وهنا يذكر المشكلة وكيف بدأت، ومن أطرافها، وهل يجد نفسه سبباً في المشكلة، أم الطرف الآخر، ويتذكّر أنّه هنا يتحدث مع نفسه، فلابد من ذكر الحقيقة، وهذا الأمر قد يساعده على حل هذه المشكلة مستقبلاً.
- فرحة نجاح: لا يتوانَ الشخص بذكر تفاصيل هذا اليوم الجميل، وجميع ما حصل معه، والأشخاص الذين شاركوه هذا الاحتفال.
- مناسبة حزينة: قد يساعد تسجيل هذا اللحظات الحزينة وتفريغها على الورق على نسيانها، ومرور هذه الأزمة بسلام.
- حكمة: قد يستمع الشخص إلى حكمة معينة من شخص ما خلال يومه، ويشعر بأنّ هذه الحكمة ستغيّر مجرى حياته، فلا مانع من تسجيل هذه الحكمة.
- حالة مرضية مر بها: بعد أن يمر الشخص بهذه الحالة المرضية، ويتماثل للشفاء، فليسجل تلك اللحظات التي شعر بها، وذلك الضعف الذي كان يلم به.
- خطأ ارتبكه: دفتر المذكرات اليومية وكما ذكرنا هو حافظ الأسرار، فعلى الشخص البوح بالأخطاء التي ارتبكها، ويحدد سبب قيامه بتلك الأخطاء، وهل شعر بالندم أم لا.
في الختام نقول بأن تسجيل المذكرات اليومية يساعد الشخص على التفريغ، والتنفيس عن صدره، ولكن أهمّيّته تظهر في المستقبل، أي بعد أن يقرأ الشخص مذكراته اليومية، ويراجع فيها تجاربه، حيث يستطيع تحديد معالم شخصيته، وصقل نفسه، للسير نحو الطريق السليم.