الوضوء (بضم الواو) في اللغة يعني النظافة والطهارة، أما في الشرع فمعناه استعمال الماء لتطهير أعضاء تم تحديدها في القرآن والسنة ويبتدأ بنية الوضوء. أما دليل مشروعيته ومشروعية فرائضه هو قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" المائدة آية6، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور"، أخرجه مسلم ج1/كتاب الطهارة باب2.
إذن ما تتحدث عنه الآية هو ست فرائض للوضوء؛ النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرافق، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين. أما ثبوت أن النية في الضوء فرض من فرائض الوضوء هو ابتداء الله سبحانه وتعالى الآية بـ: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا....." وهذا يعني أن الوضوء مأمور به للصلاة وبالتالي هذا معناه وجوب النية، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى........." متفق عليه، أي أن لكل عمل يقوم به الشخص يجب أن يحدد له النية، فلا تكون الأعمال شرعية يتعلق بها ثواب أو عقاب إلا بالنية.
1- النية: ومعناها في اللغة القصد والعزم على فعل الشيء. أما شرعا فمعناها قصد الشيء مقترنا بفعله. وحكمها الوجوب، ومحلها في القلب، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة. وترتيبها في الوضوء هو الأول، حيث إذا نسي المتوضئ النية أو تذكرها بعد الشروع بالوضوء تجب عليه النية وإعادة الوضوء. وتكون صيغتها بقصد الطهارة للصلاة، أو أداء فرض الوضوء، ولا يقوم مقام هذا القصد أن ينوي الشخص الطهارة المطلقة دون التحديد. أما من كان لديه عذرا شرعيا، ويسمى دائم الحدث (كسلس البول المستمر أو غازات مستمرة أو نزيف) بحيث يستمر حدوثهم بلا انقطاع طيلة فترة ما بين الوقتين، فلا يطهر فترة تسع الوضوء والصلاة فعليه أن ينوي فرض الوضوء لاستباحة فرض الصلاة (وفيه يستبيح صلاة الفرض والنافلة، أما إذا لم يحدد كلامه "فرض الصلاة" فلا يجوز له أن يصلي بوضوئه إلا الصلاة النافلة) وبهذا القصد لا يجوز له أن يصلي إلا صلاة وقت واحد، حيث يجب عليه رفع الحدث بالوضوء عند كل صلاة.
2- غسل الوجه: ويتم فرض غسل الوجه بالغسل ابتداء بحدود الوجه من منابت الشعر عند الجبهة إلى تحت الذقن ومن منابت الشعر عند الأذنين وشحمة الأذن اليمنى حتى شحمة الأذن اليسرى، مرورا بالحاجبين والعينين والأنف والشفاه والشاربين، ومن كان له لحية خفيفة وجب عليه غسلها أيضا لاعتبارها من الوجه، أما من كانت لحيته طويلة وكثيفة فيكتفي بغسل ما ظهر منها فقط، ويستحب تخليل اللحية بالأصابع من الأسفل. ويكون غسل الوجه بوضع الماء داخل الكفين وسكبه على الوجه مع التدليك من أعلى الوجه لأسفله. كما يفضل من باب إسباغ الوضوء أن يتم إيصال الماء إلى الرقبة.
3- غسل اليدين مع المرافق: ويكون بالبدء بغسل اليد اليمنى من الأصابع حتى الكف والساعد انتهاء بالكوع ويفضل أن يصل الماء حتى العضد، ثم الإنتهاء بغسل اليد اليسرى كما ذكرنا تماما في غسل اليد اليمنى.
4- مسح الرأس: ويكون بمسح بعض الرأس وليس كله، ودليل ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة: "وامسحوا برؤوسكم"، حيث تعتبر الباء هنا باء التبعيض (يعني البعض وليس الكل). والأصل أن يتم المسح بإمرار اليد المبتلة على الرأس من منابت الشعر عند ناصية الشخص (فوق جبهته) وجانبي الجبين وجانبي الرأس انتهاء بآخر الرأس. لكن بما أن الباء هنا للتبعيض (على المذهب الشافعي) فإن المسح يتحقق بمسح بضع شعرات من الرأس أو مسح الرأس كله أو غسله كله، سواء كان على الرأس شعر أم لا (أي أن من يعانون من الصلعن يتحقق لديهم فرض المسح على الرأس بمسح بشرة الرأس). ويفضل مسح الرأس كاملا من باب إسباغ الوضوء.
5- غسل الرجلين: ويتم ذلك بغسل القدم اليمنى أولا ابتداء من أصابع القدمين حتى الكعبين، ويكون ذلك بسكب الماء الطاهر على الأصابع مع التدليك والتخليل بينهم انتهاء بتدليك الكعب بشقوقه، ثم الإنتهاء بغسل القدم اليسرى تماما كما في غسل القدم اليمنى. ويفضل إيصال الماء إلى الساقين، وذلك من باب إسباغ الوضوء.
6- الترتيب والموالاة: أي القيام بفرائض الوضوء كما تم ذكرها بالآية الكريمة، أي بنفس الترتيب، وبشكل متتابع وبدون أي فترة فاصلة بين فرض وآخر. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".....نبدأ بما بدأ الله به"، أخرجه الترمذي ج3/كتاب الحج باب 38 / 862. كما يجب على من هو دائم الحدث أن يصلي فورا بعد الإنتهاء من الوضوء.
يعتبر كل فرض من فرائض الوضوء ركيزة أساسية لسنن الوضوء، والتي حين يتم جمعها مع الفرائض، فإن طهارة الشخص المسلم تكتمل من الحدث (غائط أو بول أو ريح أو مذي أو ودي أو حصو أو دود...الخ) ويستطيع أن يقف بين يدي الله وهو طاهر ويؤدي فريضة الصلاة بخشوع. كما قيل أن الإسباغ في الوضوء ينقي المسلم من خطاياه، وقد ثبت الترغيب في إسباغ الوضوء في صحيح مسلم في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ"، صدق رسول الله، رواه مسلم 251.