حين نذكر زهير بن ابي سلمى، يتبادر إلى الذهن، صورة شيخ وقور حكيم ويجلل المشيب شعره، وتتفجر الحكمة من جوانبه، وتساقط في النفس مشاعر الإجلال والراحة، ولابد للإنسان وهو يحد النظر إلى جبينه المتغصن، ونظرته الرصينة الهادئة، إلّا أن ينشد معه هذه البيت الذي شاعت على كل لسان: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولًا -لا أبًا لك- يسأم
كأنّ هذا البيت ينسحب على حياة زهير كلها، فإنّنا لا نكا نقع في شعره على ما يوحي يخفة وطيش، وما أثر عنه غزل ماجن، أو هجاء فاحش، أو مهاترة ولّدها فخر كاذب، أو روح جاهلي.
ولد في نجد من أب مزني، وأم غطفانية، وأقام بين أخواله حتى كاد ينسب إليهم، وتزوج فيهم مرتين: الأولى أم أوفى، والتي تحدث عنها في مطلع معلقته، ثم طلّقها لأنّها لم تنجب له أولادًا، ثم تزوج كبشة، التي أنجبت له بجير وسالم وكعب، و نشأ زهير في كنف خاله بشامة بن الغدير، وكان شاعرًا مجيدًا، كما كان في قومه سيدًا شريفًا ثريًا، وكان من أحزم الناس رأيًا، وأكثرهم حكمة، يستشيره قومه فلا يخرجون عن رأي رآه، وحين حضرته الوفاة جعل يقسم ماله في أهل بيته، وأعطى شاعرنا نصيبًا منه، وقال له إني أعطيك تعرف ما هو احسن وأفضل من المال، فقال زهير: ما هو؟ فقال له بشامة: شعري.
قيل أنّه ورث قدرته الشعرية، فله أختان شاعرتان، هما سلمى والخنساء، وأورثها لابنه كعب ابن زهير فمن منّا لا يعرف بردته الشهيرة في مدح الرسول الحبيب، ومطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول *** متيم إثرها لم يفد مكبول.
وأعجب الفاروق أمير المؤمنين عمر في شعره والكثيرون.
مواضيعه الشعرية
- المديح: استخدم العديد من الشعراء هذا الغرض الشعري في أشعارهم، ومنهم من استغله أسوأ استغلال، فأخذ البعض منهم بالمغلاة في شعره والكذب والرياء والمذلة والمبالغة لدرجة تشمئز منها النفوس، وتثير فيها الغثيان. أمّا زهير فقد عرف عنه المثل العليا والأخلاق الكريمة، حيث لم يكن العطاء هدفًا يبذل ماء وجهه لنيله، ترى فيه مديحه الصدق الفني والموضوعي، أي أنّه لم يمدح إنسانًا إلّا بما فيه ولا يخرج عن الواقع والمألوف. وقيل فيه أنّه أشعر شعراء المعلقات إذا رغب.
- الحكمة: ذكر في الحكمة الشاعر طرفة ابن العبد، حيث أنّها وليدة عبقرية فذة ونابعة من ذكاء وقّاد، لكن حكمة زهير بن ابي سلمى أملتها عليه تجربة طويلة وعمر مديد وخبرة مكتسبة على ممدى ثمانين عامًا، إنّها حكمة بعيدة عن ثورة الشباب، واندفاع العاطفة، ونتاج تأمل طويل وممارسة شخصية، علمته السنون كثيرًا من الحقائق، حكمته نابعة من واقع اجتماعي، وفهمه لقانون الحياة، من حكمته أنّ مداراة الناس ومصانعتهم وإن كانوا عل ضلال واجبة، حيث قال:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة***يضرس بأنياب يوطأ بمنسم.
- الوصف: كان بارعًا في الوصف شديد الدقة، ينقل الموصوف نقلًا أمينًا دون زيادة أو نقصان. والوصف عنده ركيزة أساسية تجدها في كافة أشعاره.