ابن تيمية
الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن محمد ابن تيمية، وهو أحد أكبر المشايخ الذين اهتموا بعلوم القرآن الكريم، وكان يحمل لقب شيخ الإسلام في ذلك العصر، كما أنه من مواليد سنة 661هـ، وهو واحد من العلماء الحنابلة، وإضافة إلى براعته واهتمامه بعلوم القرآن الكريم، فقد كان بارعاً في علوم الرياضيات والفلسفة، والفلك والمنطق أيضاً.
له العديد من الإنجازات والمهام التي قام بها تجاه الأمة الإسلامية، وتجاه الدين الإسلامي، فقد تناول العديد من القضايا الفقهية، وقام بالبحث فيها وعمل الدراسات اللازمة إلى أن توصل إلى الإجابات الشافية على جميع التساؤلات التي كانت تدور في عقله وفي عقول باقي المسلمين.
ولادته ونشأته
كانت ولادة الإمام ابن تيمية في مدينة حران والتي تقع في جزيرة الشام، بالتحديد بين نهري الخابور والفرات، والتي تعرف حالياً باسم منطقة الجزيرة، هو من مواليد يوم الاثنين، بتاريخ 10 ربيع الأول، والذي يوافق بالميلادي 22 يناير.
بقي الإمام ابن تيمية في مدينة حران إلى أن بلغ سن السابعة من العمر، وكانت قد بدأت في تلك الفترة بعض التهديدات من قل المغول، والتي كانت متمثلة في أن طلب المغول من الناس إخلاء الأماكن في تلك المنطقة، كما أنها قامت بإجبار عدد كبير من الأهالي بترك أماكنهم وبيوتهم، وكان هناك بعض الأهلي الذين لجأوا إلى الهرب من المغول والهجرة خوفاً منهم، وقد كانت عائلة الإمام ابن تيمية واحدة من هذه الأسر التي هاجرت إلى دمشق.
بدأ والد ابن تيمية بالعمل في التدريس في الجامع الأموي، وكانت هذه فرصة لابن تيمية في تلقي العلم في ذلك المكان، بينما كان له العديد من الأخوة، والذين منهم زين الدين عبد الرحمن، والذي كان يعمل تاجراً.
كانت أسرة ابن تيمية معروفة بورعها وتقاها، حيث إنّها كانت متمسكة بالعقيدة الإسلامية في تربية أبنائها، فقد كان جده الإمام مجد الدين واحداً من أكبر أئمة المذهب الحنبلي، وكان يطلق عليه لقب المجتهد المطلق، وأثنى عليه الكثير من الشيوخ، والذين منهم الإمام الذهبي والشافعي.
أمام والده عبد الحليم بن مجد الدين، والذي كان يملك كرسي في جامع دمشق، وتم تولية مشيخة دار الحديث له، كما أنه توفي في دمشق وتم دفنه هناك، في مقابر الصوفية بالتحديد.
عمله
كانت أولى أعمال ابن تيمية في تعليم القرآن الكريم، فقد كان يعلم الناس طريقة قراءة القرآن وحفظه، كما أنه أتم حفظ القرآن الكريم منذ سن صغيرة، واهتم بعد ذلك في تعلم علوم الفقه والتفسير، وبدأ في البحث في مثل هذه الأمور، وبعد أن بلغ من العمر سبعة عشر عاماً بدأ في جمع وتأليف ملاحظاته في بعض الكتب، وبعد أن بلغ من العمر الحادية والعشرين، وتوفي والده عبد الحليم، تم تعيينه فقيه الحنابلة، كما أنه تم إنشاء منبر خاص به في الجامع الأموي وكان يجلس فيه بعد صلاة العصر من أجل تفسير القرآن الكريم.
جهاده
كما ذكرنا بأن عائلة ابن تيمية اضطرت لمغادرة حران في الفترة التي بدأ فيها اقتراب المغول إلى حران، ولجأوا إلى مدينة دمشق في بلاد الشام، ولكن مع بدء اقتراب الزحف المغولي إلى دمشق، قام ابن تيمية بتحريض الناس إلى ضرورة الموقوف أمام الزحف المغولي، وكان ذلك في فترة حكم المماليك، وتم انتدابه من قبل الناس من أجل السفر إلى مصر من أجل لقاء السلطان محمد بن قلاوون، وذلك من أجل الحديث معه في أمر الجهاد، والتصدي إلى الزحف المغولي، وقام بالحديث معه عن أهمية وفائدة الجهاد، وبدأ بنشر الفتاوي التي تخص الجهاد بين الناس في تلك المناطق، ومن ثم سافر إلى أمير العرب مهنا بن عيسى الطائي.
وبعد أن طاف على عدد كبير من البلدان وحثها على أمر الجهاد، قام بجمع الجيوش الإسلامية من أجل ملاقاة المغول، وقال ابن تيمية أن الإفطار احسن وأفضل من ملاقاة العدو وهم صيام، وقام بتوزيع المأكل والمشرب على كل عناصر الجيش وكان يشجعهم على تناول الطعام من أجل الحصول على الطاقة الكافية من أجل مواجه المغول.
وبدأت الحرب وكانت تحت قيادة السلطان الناصر والخليفة المستكفي بالله، وكانت مدة الحرب فقط يومان، وانتهت بانتصار المسلمين، ولم يتمكن التتار من دخول بلاد الشام، والعراق والحجاز ومصر، وكانت هذه المعركة من أهم المعارك التي دخلت التاريخ بأن الفضل يعود لها في القضاء على التتار، سميت هذه الحرب باسم حرب شقحب.
كما أن كتب التاريخ ذكرت أن الشيخ الفاضل ابن تيمية قام بالمشاركة في الحرب مع المسلمين ضد التتار، وكانت هذه الحرب الوحيدة التي شارك فيها الشيخ الفاضل، وكان الفضل الكبير في تشجيع الناس يعود له، كما أن الفضل في جمع الأموال من أجل الحرب كان يعود له أيضاً، وقد عاد أول الناس إلى دمشق من أجل تبشير الناس بانتصار الجيش الإسلامي على التتار في موقعة شقحب.
وفاته
تم حبس الشيخ ابن تيمية في سنة 726 هـ، وذلك بسبب منعه من زيارة قبور الأولياء الصالحين، وبقي في السجن فترة تسببت في إصابته بالمرض، وذلك كان قبل وفاته بحوالي عشرين يوماً، وتم ذكر خبر وفاته على منارة الجامع، والتي كانت مثل الصدمة القاتلة لبعض الناس، فقد ترك الشيخ ابن تيمية أثراً حسناً في قلوب العديد من الأشخاص، وقد حضر عدد كبير من الناس إلى القلعة من اجل توديع الشيخ الفاضل والصلاة عليه، وجلس بجواره جماعة من الناس قبل تغسيله، وقاموا بقراءة القرآن عليه، والتبريك به، ومن ثم انصرف الرجال وحضرت النساء وقامت أيضاً بنفس ما قام به الرجال، ومن ثم تم تغسيل الإمام ابن تيمية.
كانت الجنازة في تمام الساعة الرابعة تحديداً ومن كثرة الناس الذين شاركوا في الجنازة تم حضور بعض أفراد الجيش من أجل حفظ النظام والأمن في الجنازة، وتم الصلاة عليه في القلعة أولاً، ومن ثم تم الصلاة عليه مرة أخرى في جامع دمشق وذلك بعد صلاة الظهر، وقام الناس بإلقاء المناديل البيضاء على نعش الإمام الفاضل.
تم دفنه وقت العصر أو بعدها بقليل، ولم يزل أحد في منزله، فقد خرج الجميع من أجل حضور الجنازة وتوديع الفقيد، وقد تم بيع الطاقية أو العمامة التي كان يرتديها دوماً بمبلغ قدره خمسمائة ألف درهم، وتم استغلال الأموال من أجل عمل صدقة جارية على روح الشيخ الطاهرة.
كان فقد الإمام ابن تيمية بمثابة خسارة كبيرة للعالم الاسلامي، فقد كان علامة في الدين الإسلامي، لم تكن تخفى عليه خافية، ولم يكن يترك امراً بدون أن يبحث به ويصل إلى الحلول الدقيقة، والإجابات الشافية على التساؤلات التي تدور حول هذه المسألة الفقهية، كانت جنازته تضج بالبكاء والعويل عليه، كما أن الناس بقيت تزور قبره من أجل الدعاء له، فقد أحبوه كثيراً.
مؤلفاته
تمكّن ابن تيمية من تأليف عدد كبير جداً من الكتب، وكانت كتبه تتناول المسائل الفقهية بشكل موسع، كما أنها كانت في أكثر من جانب وفي أكثر من مجال، هذا بالإضافة إلى كتب تفسير القرآن الكريم، والتي لا يزال يتحذى بها من أجل الحصول على العديد من المسائل الفقهية التي تعترض بعض العلماء والناس في حياته اليومية.