الفلسفة الحديثة
الفلسفة الحديثة هي تلك الفلسفة التي نشأت في القرن السابع عشر للميلاد في غرب أوروبا، والتي يتم تداولها على صعيد العالم في أيامنا هذه، والفلسفة الحديثة لا تعتبر مدرسة أو عقيدة محددة، لهذا يجب عدم الخلط بينها وبين الحداثة على الرغم من اشتراكهما في العديد من الفرضيّات، وهذا ما يميِّز الفلسفة الحديثة عن الفلسفةِ الأوليّة.
لقد تم تحديد القرن السابع عشر للميلاد وبدايات القرن العشرين كبدايةٍ ونهايةٍ تقريبيّة للفلسفةِ الحديثة، وبقي كل ما تم إدراجه من هذه الفلسفة منذ عصر النهضة محل نزاع، أي أن تكون تلك الأمور من الفلسفة الحديثة قد انتهت أم لم تنتهِ، وأنّ الذي حل مكانها هي الفلسفة ما بعد الحداثة، ولهذا كانت الإشارة للفلسفة في عصر النهضة بأنها الفلسفة الحديثة المبكّرة، وقد أشار لها رونيه ديكارت بهذا الاسم في إشارةٍ لفلسفة القرن العشرين للميلاد.
تاريخ الفلسفة الحديثة
الشخصيّات الرئيسيّة في الميتافيزيقيا وفلسفة العقل ونظرية المعرفة تم تقسيمها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد إلى مجموعتين أساسيّتين، مجموعة العقلانيين ومجموعة التجريبيين، وقد وقع جدالٌ بين العقلانيين الذين ذكروا أن الأفكار الفطريّة هي نقطة انطلاق جميع أنواع المعرفة المحددة في العقل، ومن أمثال العقلانيّين سبينوزا وديكارت وباروخ ونيكولا مالبرانش وغوتفريد لايبنتز، أمّا التجريبيّون ومنهم جون لوك وديفيد هيوم وجورج بيركلي، فقد كان لهم رأيٌ مغاير تماماً، حيث يرى هؤلاء أنّ المعرفة تنطلق من التجربة الحسيّة وتبدأ معها.
بطبيعة الحال فإنّ الفلسفة السياسيّة وعلم الأخلاق لا يندرجان تحت أي فئةٍ من الفئات، على الرغم من أنّ جميع الفلاسفة قد عملوا كلٌ وفق أسلوبه الخاص في علم الأخلاق، وهناك العديد منهم قد اشتهروا بالفلسفةِ السياسيّة منهم جان جاك روسّو و وتوماس هوبز. وفي نهايات القرن الثامن عشر للميلاد كتب إيمانويل كنت نصّ نظام الفلسفيّة الرائدة، مشيراً وفق اعتقاده إلى أنّ هذه الفلسفة ستجلب الوحدة التجريبيّة والعقلانيّة، وعلى الرغم من هذا فإنّ كنت لم ينجح كليّاً في فض النزاع الفلسفيّ بين العقلانيّين والتجريبيين، وقد أثار كنت عاصفةً في العمل الفلسفي في بدايات القرن الثامن عشر في ألمانيا، بدءاً من المثاليّة الألمانيّة، وكان من سمات هذه المثاليّة أنّها أكدت على وجوب فهم العقل والعالم في ذات الوقت وفق الفئات ذاتها، وقد بلغت ذروة هذه المثاليّة في عمل هيغل الذي أورد ضمن العديد من الأمور أنّ (العقلاني حقيقي والحقيقي عقلاني)، حيث تم تنفيذ أعمال هيغل في عددٍ واسع من الاتجاهات من خلال نقّاده وأتباعه على حدٍ سواء، وقد اعتمد كارل ماركس الأخلاق التجريبيّة التي سادت في بريطانيا في ذلك الوقت، وفلسفة التاريخ لهيغل التي حوّل الأفكار فيها إلى شكلٍ مادي دقيق، حيث وضع في عمله هذا الأسس لتطوير علم المجتمع.
أما سورين كيركغور فقد رفض الفلسفة المنهجيّة بشكلٍ كامل، على اعتبار أنّها دليلٌ غير كافٍ في المعنى والحياة، حيث كان يفترض أنّ الحياة يجب أن تعاش لا أن تتحول للغزٍ يجب حله، أما آرثر شوبنهاور فقد استنتج أنّ هذا العالم لم يكن شيئاً سوى عددٍ من التفاعلات عديمة الجدوى وغير منتهية من الصور والرغبات، حيث دعا إلى التشاؤم والإلحاد.
أما نيتشه فقد أخذ أفكار شوبنهاور وحوّرها، ليعلن أنّ (الإله ميت)، رافضاً بذلك الفلسفة المنهجيّة بأكملها، وكل ما يتعلّق بها من كفاح لإثبات الحقيقة الثابتة التي تتجاوز الفرد، حيث وجد نيتشة أنّ لهذا الرفض نوعاً من الحريّة لا التشاؤم.