صعب أن يعرف الوطن بسطر أو سطور ، أو حتى مجلدّات ، ليتسع المعنى فيشمل الكون بأسره ، البسيط و المعقد .
الوطن هو أول الشهقات في الحياةِ قبل الميلاد ، هو الهويّة التي تصنع الكيان ، ترسم الشكل و الملامح ، هو العنوان ، منه نبتديء و إليه المنتهى .
هو الحبيب ، الذي ألقي عليه شقائي و ألمي فيحملها عني ، و يهديني سلاماً و شمساً و هواء .
هو الحبيبة التي تحمل الخير ، كل الخير في أحشائها إذا ما أحسنا معاملتها و كنا رفقاء بها .
الوطن ، هو الأم ، و هل للأم مثيل ؟؟ نعم هو الأم و أكثر .
الوطن هو القيثارة التي تعزف لحناً قبل النوم ، لننام بسلام ، و يبقى هو وحده دون أن ينام ساهراً يعد لنا خيراً كثيراً .
الوطن هو ذرة تراب مع قطرة ماء تشكلت أنا منها فكنت ، و على ترابه عشت ، هكذا تقتضي الأصول ، و لكن الوطن وقع تحت الأسر ، فأرسل من بعيدٍ بذرة تراب و قطرة من مائه ، لأخلق من بعيد ، و يلفني الغضب و الحنين لا أعلم معنى كلمة وطن أحياه ، و لكن تعلمت ما معنى وطنٍ أناجيه و أحن إليه .
وطني هو كرمة عنب ، و زيتونة مقدسة ، و نبعة ماء إخترقت الصخر بنعومة ، و ( سلسلةٍ ) من صخور تحميها من كلابٍ ضالة ، و طني هو البحر و التراب و النهر ، و شجرة تنتصب شامخة ، تكسر العواصف بعضاً من أغصانها ، لتنبت بدلاً عنها غابة من أشجارٍ عنيدة .
الوطن لم أحياه ، لأخط معناه ، الوطن غرس في أعماقي وصيّةً تنص على ألاَّ أنساه . أن لا أنسى قدساُ بأسوارها المنهكة ، و خليلاً تبقى على الدوام نازفة ، ورّثني الوطن رائحة عطر برتقال بيسان ، و لون سنابل القمح تعلو بشرتي ، و خيوط أشعة شمسه زرعها في عيني ، و ختم في القلب الهويّةَ ( فلسطينيَة ) .
سمعت في يومٍ أبياتاً لإبن ذاك الوطن ( محمود درويش ) يجيب عن المعنى من أعماقه حيث قال :
و تسأل ما معنى كلمة وطن ؟
سيقولون : هو البيت ، و شجرة التوت ، و قن الدجاج ، و قفير النحل ، و رائحة الخبز و السماء الأولى .
و ضاق بنا الوطن ، و ضاق بيت الجدة ، و ضاقت اليابسة بنا و البحر غسلنا عن شطآنه لنهيم في الأرض دونما أمٍ ، دونما خبزٍ و بلا وطن .