النهضة
شهد تاريخ البشرية الكثير من الأمم والحضارات التي قامت على كوكب الأرض؛ فهناك حضارت قامت ونهضت وسطرت حضورها في التاريخ، وهناك أمم كثيرة تعرضت لانحطاط واضح عاشت معه في ليل دامس في عصور مختلفة؛ فالفرق واضح بين مفهوم وتعريف ومعنى النهضة ومفهوم وتعريف ومعنى الانحطاط.
نقصد بمصطلح النهضة التغير الذي تتعرض له الأمة وتنتقل به من حالة الضعف إلى حالة القوة، ومفهوم وتعريف ومعنى النهضة الأدبية نقصد به ازدهار وارتقاء الأدب بجميع فنونه، فمنذ سقوط الأمة العربية من خلال التتار ومن ثم الاستعمار الأوروبي تراجع الأدب العربي تراجعا كبيرا؛ فكأن الأمة العربية أصبحت في سبات وظلام دامس، ولكن كيف نهض الأدب العربي في العصر الحديث مع تراجع الأمة العربية وضعفها.
عوامل النهضة الأدبية في العصر الحديث
بدأ نهوض الأدب العربي في العصر الحديث في أواخر القرن الثامن عشر؛ حيث تحرر من جموده وسباته بعد أن كان شمعة مضيئة، ومن جديد استعاد حيويته بفضل عوامل كثيرة خصوصا في عهد محمد علي باشا، ومن أبرز عوامل النهضة الأدبية:
- نهوض الروح الوطنية: كان للاستعمار الأوربي دور بارز في إيقاظ الوحدة والروح القومية في بلاد الشام ومصر والعراق؛ حيث تعرض أبناء الأمة العربية إلى الكثير من الضغوطات والاحتقار واستنزاف لثروتهم الوطنية، والخطر الحقيقي هو ضياع قيم الأمة، ومن أولى طرق وخطوات التحرر من شباك الاستعمار هو التوحد القومي لمواجهة ظلم الغزو الأوروبي والتمسك بهوية الأمة العربية والقيم الإسلامية والدفاع عنها، والاندفاع في طلب المعرفة والعلم.
- مواكبة الحضارة العصرية: عندما كانت الأمة العربية في سبات وجهل كانت أوروبا مشتعلة بالعلم والتقدم الحضاري بسبب ترجمتهم للكتب العربية التي ألفها علماء الحضارة الإسلامية، ولمواكبة التقدم المعرفي والعلمي في أوروبا كان ذلك من خلال ما يلي:
- التعليم الحديث: تم إنشاء الكثير من المدارس التي تعنى بتدريس اللغات الأوروبية الحديثة والتعلم على منوال الطراز الأوروبي؛ فأصبحت في دول الشام ومصر الكثير من المدارس المدنية والعسكرية.
- البعثات العلمية: عند تخريج الطلاب من المدارس العسكرية والمدنية يتم إرسالهم في بعثات علمية إلى أوروبا لطلب المزيد من العلم في كافة المجالات المدنية والعسكرية، وساهم عودة الطلاب المبتعثين إلى بلادهم في تحولات اجتماعية وثقافية.
- الترجمة: تمت ترجمة الكثير من الكتب التي ألفها علماء الحضارة الأوروبية والتي بالأصل هي تراث الأمة الإسلامية، ولترجمة الكتب تم إنشاء المراكز التي تعلم اللغات مثل التركية، والإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية، ومع زيادة عدد المتعلمين لهذه اللغات تمت ترجمة الكثير من كتب الأدب والقانون والتاريخ والعلوم وغيرها.
- الطباعة والصحافة: مع وجود الطباعة والمطابع ظهرت الكثير من الصحف والمجلات الثقافية التي ساهمت بشكل كبير جدا في نهوض الأدب وانتشار الوعي والروح القومية.
في ظل العوامل التي تم ذكرها ظهر المستشرقون الذين ساهموا في نهضة أدبية واسعة في كافة الدول العربية، وذلك من خلال تطور التعليم وتحسين نوعيته وظهور الانفتاح على العالم، ولهذا تم إثراء الأدب بمصطلحات علمية معربة، والاهتمام بتبسيط اللفظ وسلاسته ورقته، وظهور الفن المسرحي الشعري والنثري، ونشأة الشعر التاريخي والقصصي، وساهم ذلك في النهوض بالأدب في كافة مجالاته.