ما أجملَ أنْ يَمْتدّ جناحُ " الرأي " إلى مَداه ! وما أروعَ صورةَالامتداد هذه عندما تتكامل بجناحها الآخر !.
رغم أنّ الجناحين يَخفقان في اتجاهين مختلفين إلا أنهما ينهضان بعمودهما الفَــقريّ ،ويُمكّنانه من الذهاب نحو الوِجهة المطلوبة . بل ويحلّقان به نحو آفــــــاق ٍ جديدة ، ويستعرضان جبالاً تارةً وأنهاراً وسهولا تارة أخرى . أضــف إلى ذلك كّلِّه قُدْرتَهما العجيبةَ على مساعدته في الهبوط إلى مَدْرَجِهِ بهدوءٍ وأمان واتّزان .
انطلاقا من تصوّرنا للمشهد السابق يتجلّى معنى الرأي والرأي الأخر . فكيف لأي فرد في مجتمع ما أن يقدّم رأيَهُ ويعرّف به دون وجود الفرد الآخر أصلا ً؟! كيف له أن يذهــــب برأيـــه يمنةً ويَسْرة ًدون أن يجد َمَن يُنصِتُ لِتجلّياتهِ ، ويُعمِلُ فيها بَذْلـَهُ الذّهني ّ؟!.هل يسـتطيع ذو الرأي أن يرى رأْيَهُ دون مِرآة الآخرين ؟!!.ثمّ ما الموضوع الذي يمكــــن أن يُوضـــعَ في رَفٍّ من رفوف الـ " مُوْل " ولا يمرّ به ، أو يُشاهده ، أو يتــناوله إلا شخــصٌ واحدٌ فقط ؟!!. مَنْ منّا يستـــطيع إطلاقَ طائرةِ فِكْرِه عَبْرَ أجواءِ غرفته ، ثم يزعم أنّـــه مخترعها ؟ .إنّ هذه الطائرة إن لم تُحلّق في أجواء الآخرين فليــس لأحدٍ أن يكتشفها ، و يصلَ إلى قدرات مَن أطلـــــقها وأوصلها ومكّنَها من التحليق.
إنّ الرأي الجميل يزداد جمالا حين يَلين جانبُه للرأي الآخر ، ويبسط جناحَه لنسمــات ٍعليلة قد تأتيه من طرف أو جهة أخرى ؛ لأنّ هذا اللِّين يعكس صفةً حِوارية ًعند صاحبـــها، كماأنّ هذه الصفة تجذب الطّرَف الآخر ، وتسـاعد في خلق أجواء رطبة تُفرح العقول والقلوب .هل ترونَ أنّ الذي بنى جدارا عازلا حول رأيِه قد رفَقَ بالآخــرين ؟ ما الأجـــــواء التي أوجدَها حوْلـَه؟! .
ومما لا شك فيه أنّ طريقة الأخذ والعطاء والشد والجذب في ساحة الرأي والرأي الآخر لتعكس حالة التموضع في مكتبة التصنيف العالمي . أي : أين َنحن من الثـقافة الحوارية القائمة على أسس الحضارة والتقدم والمدنية ؟. أرى أنّه من المهم جدا أن تُعرض نمـاذج حوارية تمثّل المنهج الحواريّ الحضاري من جهة، والمنـــــــهج الحواري العشــوائي من جهة أخرى ؛ حتى يتبيّن للمجتمع الحوارُ الأبيض من الحوار الأسود في هذه النمـــــاذج ، وحتــى نغيّر ما بمنهجنا من خلل ، فيتغيّر حوارُنا حاملاً لِواقِعنا روائعَ الأمل .
بقيَ أنْ أعلّق وجهةَ نظري فيما يتعلّق بالرأي والرأي الآخر على لوحة مواضيعـــكم اليومية المستعجلـَة، إنها منهجيةُ الحوار الكتابيّة . أليس من الجميل أن تظهر الصفة الحوارية البلسميّة عند الكاتب بشكل عام؟ أليس مفيداً أن يدخل الذي يقرأ مقالةً- مثلا - في جوّ من الحوار ، فتَتَبرعمُ في نفسه بذورُ نبات الحوار الطيّب ِ؟ .ألن يُشكّلَ ذلك كـلُّه حالة ًحواريّةً تنتقل من فرد لآخر ؟.
أختم بهذه المقولة : الحوار الذي يبني مجتمعاً هو الذي ينشأ معنا ونلهو به في طفولتنا.