موقع البحرين الملتقيين
الكون مكان مليء بالظواهر التي يصعب تفسيرها في البداية ولكن البشرية تكتشفها وتحللها يوماً بعد يوم، ومن هذه الظواهر التي عجزت البشرية عن تفسيرها لعقود طويلة هي البحران الملتقيان اللذان ورد ذكرهما في القرآن الكريم في قال تعالى: ?مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ? [سورة الرحمن الآية: (??-??)].
البحران اللذان تتحدث عنهما الآيات السابقة هما أي بحرين يلتقيان ولكن لا يختلطان ببعضهما البعض نتيجة اختلاف في خصائصهما، حيث إن لكل بحر أو محيط أو نهر أو أي بقعة مائية كثافة معينة لا تتغير، كما أنّ له درجة ملوحة ودرجة حرارة ثابتة وله أيضاً لون لا يتغير حتى في حال التقائه مع مياه بخصائص مختلفة فذرات كل منها لا تندمج مع الأخرى.
البرزخ الذي تتحدث عنه الآيات هو مكان التقاء البحرين حيث إنه شبيه بجدار وهمي مرن حين تصله ذرات المياه ترتدّ ولا تختلط مع مياه البحر الآخر رغم تداخلهما وتماوجهما، لذلك لو نظرنا لهذه البحار من الأعلى لشاهدنا هذا البرزخ بشكل واضح جداً.
تتجلى الظاهرة التي تتحدث عنها الآيات السابقة في عدّة مواقع حيث تلتقي مياه البحر الأحمر مع المحيط الهندي في مضيق باب المندب، ومياه البحر الأبيض المتوسّط مع البحر الأسود في مضيق البسفور، كما تلتقي مياه البحر الأبيض المتوسّط مع المحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق.
ورد ذكر البحرين الملتقيين في آية أخرى في سورة الفرقان، في قوله تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً? [سورة الفرقان، الآية: 53] وفي هذه الآية أشار عزّ وجل إلى نوع محدد من البحرين الملتقيين وهو التقاء الماء العذب الخالص مع الماء المالح كما يحدث في بعض أنهار قارة أمريكا الشمالية التي تصبّ في المحيط الأطلسي وتمتد مسيرتها في داخله إلى ما يقرب الثمانين كيلو متراً دون أن تندمج مياهها مع مياه المحيط.
ما يميز هذا النوع أكثر الذي ورد ذكره في الآية السابقة هو وجود الحِجر بينهما، والحِجر هو عدم اختلاط الكائنات الحية التي تعيش في هذين البحرين مع بعضهما، فالبرزخ هو الجدار الوهمي الذي يفصل مياه البحرين عن بعضهما والحِجر هو ما يحفظ الكائنات الحية في المياه المناسبة لها، حيث إنّ الأسماك التي تعيش بالأنهر العذبة لا تدخل إلى مياه المحيط المالحة في مكان التقائهما والعكس صحيح.