أكرم الله تعالى نبيه يوسف عليه السلام ، فقد كان اجمل وافضل الرجال على هذه الأرض، و قد اشتراه عزيز مصر بينما كان صبياً ، فأعطاه لامرأته زليخاء لتهتم به ،و عندما أصبح شاباً أعجبت به و أحبّته حبّاً كثيراً و راودته عن نفسه ، فرفضها فكادت له إلى أن أودع السّجن ، و عندما كان يوسف عليه السلام في السّجن ، تغيّرت أحوالها ، فغدت بلا مال و ذهب سلطانها و أصيبت بالعمى نتيجة بكائها الشديد على ظلمها ليوسف عليه السلام فأصبحت تطلب الصدقة من النّاس ، فمنهم من رحمها ومنهم من لم يرحمها.
أمّا يوسف عليه السلام فقد أنعم الله عز وجل عليه و أخرجه من السجن فصار أميناً على جميع خزائن مصر ، و أصبح ذا جاه وسلطان ، فكان يخرج كل أسبوع مرّة في موكب يشمله و يشمل عظماء من قومه لتفقد احوال الرّعيّة ، فأخبر بعض النّاس زليخاء بأنّه ربّما يشفق عليها بشيء عندما يراها فلمّا همّت بالخروج قيل لها لا تقتربي منه و تجنبيه فربما يتذكرك فيسيْء إليك ، فقالت: أنا أعلم بخلق حبيبي منكم ، ثم تركتهم وذهبت حتى جاء موعد خروج سيدنا يوسف عليه السّلام ، فركب في موكبه فعندما مرّ بها ، نادته بأعلى صوت : سبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيتهم وجعل العبيد ملوكاً بطاعتهم ، فتساءل يوسف عليه السّلام عنها، فجاءوا بها فقالت: أنا التي كنت أخدمك في صباك واطيَِّب شعرك بيدي وتربيت في بيتي واكرمت مثواك لكني فرّطت فيما فرّطت لجهلي وعتوي فذقت وبال أمري وذهب مالي وتضعضع ركني وطال ذلّي وعمي بصري فبعدما كنت سيّدة أهل مصر صرت ذليلتهم اتكفف النّاس فمنهم من يرحمني ومنهم من لايرحمني وهذا جزاء المفسدين فبكى يوسف عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال لها: أتجدين حبّك لي مازال في نفسك؟ فقالت: والله نظرة إلى وجهك أحب اليَ من الدّنيا ومافيها فبكى عليه السّلام ثم ذهب إلى منزله و فكر عميقاً في الزّواج بها ثم أرسل إليها رسولاً بقول : إن كنت لم تتزوّجي تزوّجتك إن كنت متزوّجة أغنيتك فقالت للرسول: أعوذ بالله أن يستهزئ بي الملك لقد صدني ولم يردني أيّام شبابي وغناي ومالي وعزّي أفيريدني اليوم وأنا عجوز عمياء فقيرة؟ فرجع إلى الرسول ليخبره بما قالت فلمّا ركب يوسف عليه السلام في الأسبوع الثاني تعرّضت له فقال :لها: ألم يبلغك الرسول ؟ فقالت: قد أخبرتك أنّ نظرة واحدة إلى وجهك أحب اليَّ من الدّنيا ومافيها فأمر بها و قاموا بتجهيزها له ، ثم زُفت إليه فقام يوسف عليه السّلام يصلّي ويدعو الله فقامت وراءه ، فدعا الله تعالى أن يعيدَ إليها شبابها وجمالها وبصرها حتى أصبحت أحسن مما كانت يوم راودته تكريماً ليوسف عليه السلام لما رفض الوقوع في الحرام ، ولمّا دخل عليها فوجدها عذراء فساْلها عن السبب فقالت :يانبي الله إن زوجي كان عنيناً لا ياْتي النّساء وكنت أنت من الحسن والجمال بما لايوصف فأشفق عليها وآواها إليه وعاشا في رغد من العيش وجعل الله في قلب يوسف عليه السلام من محبّتها أضعاف ماكان في قلبها حتى استقلّ حبها له فسألها يوماً :ماشاْنك لا تحبينني كما كنت أوّل مرة؟ فأجابته : لما ذقت محبة الله تعالى شغلتني عن كل شيء .
يتوب الله على عباده التوّابين و يرزقهم من رزقه الواسع ولا يبخل عليهم بشيء ، و إن أجَّلَ رزقه إلا أنّه يمهل ولا يهمل .