طريقة بيع الأموال الرِبوية:
الناس محتاجون إلى التعامل بالأموال الرِبوية التي بيناها سابقاً، ولا غنى لهم عنها، وخصوصاً إنها أما أن تكون أثماناً تبذل من أجل الحصول على حاجات الناس، أو أقواتاً تقيم أودهم، ولا يستغنون عنها، من أجل ذلك وتخفيفاً على الخلق، أبـاح الإسلام التعامل مع هذه الأموال، ولكن حتى يصح التعامل بها، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم، كان هناك مجموعة من الشروط التي يجب توّفرها عند التعامل بهذه الأموال على النحو التالي:
بيع الاموال عند اتحاد الجنس:
إذا بيع المال الرِبوي بعضه ببعض، فهذا يعني أن العوضين متحدين في الجنس، وعلى هذا تكون علة التحريم فيهما واحدة، فإذا ما اشترى شخص مائة غرام ذهب مسبوك، بمائة غرام ذهب مصوغ، فإن العلة في ذلك هي (الثمنية)؛ لأن العوضين من جنس واحد، ونفس الأمر يُقال في باقي الأجناس الأخرى، فإذا كان التعامل مع الأموال الرِبوية بهذه الصورة، فلا بد من توفر الشروط التالية:
1.المماثلة في البدلين:
فإن كان المال مما يُباع وزناً، فلا بد من المماثلة في الوزن، ككيلو غرام بكيلو غرام، وإن كان مما يباع عدداً، فلابد من المماثلة في العدد، كعشرة بعشرة، وإذا كان مما يُباع بالكيل، فكيلة بكيلة وهكذا.
وعلى ذلك فالأصل أن تبيع مائة غرام ذهب بمائة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب، وبغض النظر عن جيده ورديئة، حيث لا عبرة بالجيد والرديء كما ذكرنا عند حديثنا عن أنواع الربا.
وكذلك لا يجوز بيع طن قمح من الدرجة الأولى، بطن ونصف من القمح من الدرجة الثانية، ذلك لأن القمح جنس واحد، فلابد فيه من التماثل، ونفس الأمر يُقال في اللحم، فيحرم بيع كيلوا غرام من اللحم الأحمر مثلاً، بكيلو ونصف من اللحم الأبيض إن كان اللحم لحم ضأن مثلاُ، أو لحم بقر.
2- أن يكون العقد حالاًّ:
وعلى ذلك فلا يجوز بيع الجنس الربوي الواحد بنفسه إذا كان أحد العوضين مؤجلاً ولو أجلاً قريباً، فلا يصح بيع طن ملح بطن آخر منه يستلمه بعد يوم مثلاُ.
3- التقابض:
وذلك بأن يقبض كل من البائع والمشتري ما يخصه من العوضين قبل التفرق وترك مجلس العقد.
ويستدل على هذه الشروط بما روي عن النبي على النحو التالي:
1. شرط التماثل: دلّ عليه قول النبي : "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل"(33)، فقوله (مثلاُ بمثل) دليل على التماثل عند اتحاد الجنس.
2. الحلول والتقابض: ويستدل له بما ورد عن من قوله "الذهب بالذهب رباً، إلا هاءً وهاءً(34)، والبرُّ بالبرِّ رباً، إلا هاءَ وهاءً، والشعير بالشعير رباً، إلا هاءً وهاءً، والتمر بالتمر رباً، إلا هاءً وهاء"(35)، وكذلك قوله: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد"، فقوله (هاء وهاء) و(يداً بيد) فيه دلالة واضحة على التقابض والحلول.
بيع الاموال عند اختلاف الجنس واتحاد العلة:
قلنا قبل ذلك إن الأموال الرِبوية من حيث العلة تنقسم إلى قسمين: أموال العلة فيها الثمنية كالذهب والفضة، وأموال علتها الطعم، كالقمح والشعير والتمر والملح، ومن هنا نرى أن أجناس الأموال الربوية قد تختلف ولكن علتها قد تكون واحدة، وقد تختلف وتختلف العلة أيضاً، وحديثنا هنا عن الأجناس المختلفة ذات العلة الواحدة.
فإذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، فإنه يشترط في ذلك لصحة هذه المعاملة شرطان فقط هما:
1. الحلول.
2. التقابض.
وعلى ذلك فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمسة عشر غراماً من الفضة، ويجوز بيع طن من الملح، بنصف طن من التمر ... وهكذا، إذا كان البيع حالاً غير مؤجل، وقبض المتبايعان ما لهما في مجلس العقد، أما التماثل فليس شرطاً في مثل هذه الحال كتعرف ما هو واضح في الأمثلة السابقة.
والدليل على ذلك قوله : "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد"، والمقصود من اختلاف الأصناف هو اختلاف الأجناس كما يدل عليه سياق الحديث الذي يعد أجناس الأموال الربوية.
بيع الاموال عند اختلاف العلة:
إذا اختلفت العلة في الأموال الربوية، فإن ذلك لا يكون إلا في أجناس مختلفة، لا تجمعها علة واحدة، كبيع الذهب بالقمح، أو الفضة بالتمر، وفي مثل هذه الحالة لا يشترط لإباحة التعامل بهذه الأموال أي شرط من الشروط الثلاثة السابقة، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجلاً مع عدم القبض في مجلس العقد، وكذلك يجوز بيع مائتي غرام من الفضة بعشرة كيلوات من الشعير، نسيئة، مع عدم اشتراط التقابض.
والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين أن رسول الله استعمل رجلاً على خيبر، فجاء بتمر جنيب(38)، فقال رسول الله: "أكل تمر خيبر هكذا؟" فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال النبي: "لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ(39) بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً"(40).
والشاهد في الحديث السابق، إن النبي نهى عن بيع التمر بمثله متفاضلاً كما بينا في السابق، ولكنه أرشد إلى الطريقة التي يمكن بواسطتها الخروج من الربا وذلك عن طريق بيع التمر الرديء بالنقود، ثم شراء تمر آخر أجود منه بثمنه(41).
رابعاً: بيع المال الرِبوي بغيره:
إذا بيع المال الربوي بغيره فإنه لا يشترط تماثل ولا حلول ولا تقابض، ويكون العقد جائزاً بدون هذه الشروط ولا شيء فيه.
فيجوز بيع الذهب بالطعام متفاضلاً ومؤجلاً وغير مقبوض في مجلس العقد، ويجوز بيع الحيوان بالنقد متفاضلاً مؤجلاً وغير مقبوض في مجلس العقد أيضاً.