محمد صلى الله عليه وسلم
كيفما حسبناها وكيفما أردنا أن ننظر إلى المسألة ومهما كانت دوافعنا ومطلقاتنا التي ننطلق منها، لم يكن النبي الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – شخصا عاديا، بل كان شخصا تفرد بصفاته على مستوى الإنسانية جمعاء، فالله تعالى هو الذي صنعه وكونه خلقا وخلقا، وهذا من أهم الأمور التي تجعل منه شخصا استثنائيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالجميع أحبوه آمنوا به أم كفروا برسالته وبما جاء به، سواء كانوا ممن عاصروه ورآه أو ممن جاءوا بعده، فشهادات غير المسلمين ممن تبعوا رسالته وشريعته التي جاء بها هي أكثر من أن تعد أو من أن تحصى، وهذا قل أن يتفق لأحد غيره من العالمين، وهذا الكلام لا يدفعنا إلى النشوة الزائفة أننا أتباعه وأن الجميع يشهد له، بل يدفعنا وبدرجة أساسية إلى أن نتبعه حقا وأن نتبع تعاليمه التي جاء بها معلمنا الأعظم، الذي أرشدنا إلى كل تعرف ما هو خير وحذرنا من كل تعرف ما هو شر، وحذرنا من كل ما سيضر بنا ومن كل ما سيجعلنا منحطين أخلاقيا أمام ربنا وأمام أنفسنا وأمام الناس كافة.
مولده
ولد الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، وبعث وعمره أربعون سنة، حيث بعثه الله تعالى في مكة المكرمة لقوم قريش ولأهل الأرض كافة وإلى يوم القيامة، ولكن قريشا آذته هو ومن تبعه من المؤمنين الموحدين الذين عانوا أشد العناء في مكة المكرمة على أيدي سدنة الكفر والشرك في مكة، مما اضطره وأصحابه إلى الهجرة إلى يثرب ( المدينة المنورة) حيث استقبله الأنصار ( أهل المدينة – الأوس والخزرج - ) ونصروه هو ومن معه، ولك تتوقف قريش عن عداء النبي ومن معه حتى بعد الهجرة، بل أصرت على مهاجمته فهاجمته في المدينة بجيوشها، وهذا كان سبب خوضه غمار الغزوات التي حصلت معه في الفترة المدنية، وظل الأمر هكذا إلى أن فتح الرسول مكة المكرمة وأتم رسالته وكان عمره حينها 63 عاما.
مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
بدأ المرض يبدأ على الرسول – صلى الله عليه وسلم – في العام 11 من الهجرة النبوية الشريفة، فلما أمر أسامة بن زيد بقيادة الجيش ليسير إلى الأرض المباركة فلسطين ليحارب الروم هناك، وبعد أن ذهب إلى بيته، تأخر في خروجه على الناس، ليؤمهم في الصلاة كما كان يحدث دائما، وفي بداية الألم الذي بدأ يتألمه الحبيب قبل وفاته ذهب فزار الموتى في مقبرة البقيع وكان ذلك في الليل، فزارهم ورجع إلى بيته وفي صباح اليوم التالي بدأ الصداع والحمى يظهران عليه، ومن شدة الآلام التي ألمت بجسده الشريف كان بغمى عليه ويستفيق مرة تلو مرة، عندها استأذن نساءه الطاهرات في أن يعالج وأن يمرض في بيت زوجته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -.
خرج الرسول يوما من ما بيته متوجها صوب المسجد واضعا عصابة على رأسه من شدة الألم الذي ألم به، فجلس – صلى الله عليه وسلم – على منبره، وقال مقولته " عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده " فأجهش الصديق – رضي الله عنه – بالبكاء، وقال لرسول الله " فديناك بآبائنا وأمهاتنا " فأثنى الرسول على أبي بكر الصديق – رضي الله عنه بقوله " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام " وأمر أن تبقى خوخة الصديق في المسجد فقط وأن تزال كل الخوخات من المسجد وفي هذا تكريم عظيم للصديق لم يتأتى لأحد غيره، وهي باقية إلى يومنا هذا، والخوخة هي الباب الصغير الذي يشابه النافذة كبيرة الحجم، وخوخة أبي بكر هي الباب الصغير التي كان يخرج منها أبو بكر الصديق وهو في منزله إلى المسجد النبوي الشريف. وتقع في الجزء الغربي من المسجد النبوي الشريف.
خطبة الوداع
دعا الرسول – صلى الله عليه وسلم – المسلمين في آخر خطبه إلى أن ينفذوا ويخرجوا جيش أسامة بن زيد – رضي الله عنه - لمحاربة الروم، كما أنه دعا المسلمين إلى أن يحسنوا ويبروا الأنصار، فأياديهم البيضاء على الإسلام والمسلمين كثيرة، وعندما زاره وفد من كبار الصحابة في بيته – صلى الله عليه وسلم – دعا لهم وقال : " مرحبا بكم وحياكم الله، حفظكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم " وأوصى الناس بأن يحافظوا على صلواتهم. وبعد أن عانى الرسول من مرضه لمدة ثلاثة عشر يوما خرج إلى صلاة الصبح، ففرح الناس به وسروا لتحسن صحته، وعندما رجع إلى بيته، اضطجع في حجر زوجته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وهو يقول " بل الرفيق الأعلى " وكانت وفاته في الثاني عشر من شهر ربيع الأول في العام الحادي عشر للهجرة النبوية الشريفة.
وفاة الرسول الأعظم
عندما علم المسلمون بوفاة الرسول أظلمت المدينة واهتزت من هول وقع الخبر على مسامع الصحابة، وربما لولا أن يسر الله للمسلمين أبا بكر الصديق لما عادوا إلى رشدهم، الذي عندما رأى الرسول وهو ميت كشف عن وجهه الشريف وقبله وقال " بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا " وفي هذه الأثناء كان الصحابة في الخارج بحالة يرثى لها من شدة وقع المصيبة على قلوبهم، فالنبأ عظيم والمصيبة ثقيلة والأعداء يتربصون بالأمة، فالرسول لم يكن شخصا عاديا بل كان هو الصلة ما بين السماء والأرض، فوفاة الرسول تعني أنه لا يوجد وحي بعد ذلك، وأن وقت العمل قد بدأ وأن الله قد ختم تنزيل دينه بوفاة آخر حلقة من حلقاته، وأن السماء لن تتدخل بعد الآن في ما يحدث على الأرض ولن يكون هناك خوارق فالأنبياء والرسل قد انتهى زمانهم وجاء زمان الناس ليعملوا بأنفسهم ويجتهدوا ويحققوا غاية الله تعالى على الأرض، فالاختبار الحقيقي قد بدأ. كل هذه المعاني أدركها المسلمون بعد وفاة الرسول ونحن للأسف الشديد لا نزال غير قادرين على إدراكها، لأن قصة وفاة الرسول للأسف الشديد قد تم ابتذالها واختزالها بموقف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ومواقف الصحابة الآخرين فقط.
يذكر أن من غسل الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم – هم: العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأبناء العباس الفضل وقثم بالإضافة إلى أسامة بن زيد وشقرآن حيث غسلوه والثياب عليه. ثم وبعد ذلك قام الصحابة برفع الفراش الذي توفي الرسول عليه والذي كان في بيت أمنا عائشة، حيث قام الصحابي أبو طلحة الأنصاري بحفر القبر تحت هذا الفراش وبدأت الصلاة عليه، فلم يصل الناس عليه جملة واحدة، بل صلوا عليه على دفعات، حيث صلى عليه الرجال أولا ثم صلت النساء عليه ثم الصبيان. أما من أنزل الرسول الأعظم إلى قبره فهما علي والعباس والفضل وقثم – رضوان الله عليهم – وقد تم رفع القبر عن الأرض بمقدار الشبر. ودفن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان قد تم ليلة الأربعاء.