قد حصلت عبر التاريخ الإسلامي العديد من المعارك المختلفة التي قام المسلمون فيها بمحاربة أعدائهم متكاتفين، فيقوم كلّ واحدٍ فيهم بمساندة الآخر خلال المعركة، إلّا أنّ معركة صفّين تميّزت عن باقي المعارك التي خاضها المسلمون بأنّها كانت بين المسلمين أنفسهم؛ فقد يحدث الخلاف في أيّ بلدٍ من البلدان المختلفة وهو ما حدث أيضاً بين صفوف المسلمين، وبالتحديد نتيجة الخلاف الّذي حدث بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؛ إذ إنّه عندما قام المسلمون بمبايعة علي بن أبي طالب على الخلافة قام معاوية بن أبي سفيان بالامتناع عن مبايعة علي بن أبي طالبٍ كرّم الله وجهه، بالإضافة إلى أهل الشام الّذين كان والياً عليهم في ذلك الحين، وكان السبب الرئيسي وراء الرّفض من معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام هو أنّه كان يريد أن يتمّ تسليم قتلة عثمان بن عفان قبل أن تتمّ بيعته لعلي بن أبي طالب، بينما كان عليٌّ ر ضي الله عنه يرى أنّ مصلحة المسلمين في أن تتمّ البيعة قبل النظر في مقتل ذي النورين رضي الله عنه.
وقد استمرّ القتال لتسعة أيّامٍ في صفين التي تقع في سوريا بالقرب من الرقّة؛ حيث بدأ القتال في الأوّل من صفر لعام 37 للهجرة، ولم يقم الفريقان بالاشتباك بكامل القوى من اليوم الأوّل؛ بل كان الاشتباك لمدّة سبعة أيّام بفرقٍ محدّدةٍ من الجيشين، فكان على رأس كل فريقٍ في كلّ يومٍ قائدٌ مختلف، فقد كان ذلك هو في محاولةٍ من كلا الطرفين لإنهاء القتال بأقلّ الخسائر الممكنة، ولحقن دماء المسلمين، فحتّى وجد الفريقان أنّ القتال لن يحسم بهذا الشكل قرّرا أن يقوما بالاشتباك عن طريق الجيش بأكمله في اليوم الثامن، فكان القرآن الكريم هو المسيطر في الليلة التي سبقت القتال في كلٍّ من المعسكرين.
ففي اليوم الثامن، قام علي بن أبي طالب بالخروج على رأس جيشه، ومعاوية بن أبي سفيان كذلك، فكان القتال حامياً من كلا الجانبين، فقتل من كلا الفريقين العديد من المقاتلين، أمّا في اليوم التاسع والّذي كان اليوم الأخير من القتال، كان أشدّ ما يكون؛ إذ كان في جيش علي بن أبي طالب على الميمنة عبد الله بن بديل، وعلى الميسرة عبد الله بن مسعود، فتقدّم الجيشان وقاما بقتال بعضهما البعض، واستطاع أهل الشام الوصول إلى عليٍّ رضي الله عنه في ذلك اليوم، إلّا أنّه قاتلهم قتالاً شديداً؛ حيث يُذكر إنّه قاتل قرابة الخمسمائة رجلٍ في ذلك اليوم لوحده.
وبعد ذلك، انتهى القتال عندما وجد معاوية أنّ جيشه قد أوشك على الهزيمة بعد الانتصارات المتوالية لجيش عليّ رضي الله عنه، فقام جيش معاوية برفع المصاحف الشريفة على رؤوس الرماح، وذلك دلالةً على أنّهم يريدون التحكيم بحكم القرآن، وهو ما اتّفق المسلمون عليه في نهاية المعركة.