نصبَ المشركون خيمةَ العداء للإسلام وأهله من أوّل يومٍ صدَع فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالدعوة إلى دين الله عزَّ وجلّ، فكان كفّار مكّة وكبار صناديد الكُفر من قريش في مقدّمة الحواجز البشريّة أمام الدعوة الإسلاميّة، وقد أمرَ الله رسولهُ ومن معهُ من المؤمنين بالهجرة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة؛ حيث يستطيعون الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بعيداً عن التعذيب والأذى، وفي ظلِّ مؤازرة أهل المدينة المنوّرة من الأنصار من الأوس والخزرج.
وقد أرسى رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم في المدينة المنوّرة دعائم الدولة الإسلاميّة، فكانت المدينة المنوّرة مُنطلق الغزوات ضدّ المشركين وصدّاً لكيدهم وعدوانهم، فكانَت أوَل مواجهةٍ في بدر الكٌبرى وهيَ الغزوة التي قاتلَ فيها المُسلمون المشركين من أهل مكّة، وكانت الغلبة للإسلام وأهله. وإحدى أهّم الغزوات التي وقعت في حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان لها الأثر البالغ والنصيب الوافر في تاريخ السيرة النبويّة العسكريّة، وقد أنزل الله فيها قُرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، هيَ غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق، فما هيَ غزوة الأحزاب أو الخندق.
ما يخصّ تاريخ هذه الغزوة فقد وقعت في شهر شوّال من السنة الخامسة للهجرة، وقد كان سببها أنَّ خروج يهود بني النضير في الجلاء الّذي أوقعهُ رسول الله عليه وسلّم جعلَ في صدوره الحقد على الإسلام وأهله، فساروا في قبائل العرب يجمعونَ صفوفهم لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
الأحزاب في غزوة الخندق
قريش أهل مكّة من مُشركيها وصناديدها مثل: غطفان، وبنو مرّة، وبنو أسد، ويهود بني قريظة الّذين خانوا العهد والميثاق، وبنو أشجع، ومنافقو المدينة من المُرجفين ومُبطنو الكفر، ومُظهرو الإيمان. وقد التفَّ هؤلاء الأحزاب حول المدينة، ولكن كانَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ضرَبَ عليها خندقاً يحميها، وكانَ هذا الخندق بفكرةٍ من الصحابيّ الجليل سلمان الفارسيّ رضيَ الله عنه.
وكانت غزوة الخندق من أصعب الغزوات وأكثرها عُسرة من حيث الخوف الّذي أحاط المدينة من اجتماع الأحزاب حولها، وكذلك بغدر اليهود من الداخل وانقضاضهم على الإسلام وأهله في صورةٍ لم يرى التاريخ أبشع منها غدراً وخُبثاً وهذا ديدنهُم، وقد انتشر في غزوة الخندق أراجيف المُنافقين والحاقدين على الإسلام من الداخل، وهذا سمت الجبناء والغادرين، وقد نصَرَ الله رسوله بالريح التي قلبت العدوّ وشلّت أطرافه، وقلبت خيامهم، وكفأت قدورهم، وألقى الله في قلوبها الرعب، وأنفذ لرسوله وعدَ النصر، وفضحَ أعداء الإسلام والحاقدين.