عندما توفّي النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام تولّى خلافة المسلمين بعده أبو بكر الصّديق رضي الله تعالى عنه، كما وارتدّت في عهده بعض قبائل العرب حين امتنعوا عن دفع الزّكاة لبيت مال المسلمين، وقد حاربهم الخليفة الرّاشد حتّى هزمهم، فعادت للدّولة الإسلاميّة وحدتها وقوّتها فبدأ الخليفة أبو بكر الصّديق يفكّر في إرسال الجيوش لفتح البلاد ونشر دين الله تعالى في الأرض، فما زالت فكرة إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد تشغل قلب الصّديق، ومازال همّ نشر الدّين يسيطر على جوارحه ويسكن بين جنباته، وقد أبلت جيوش المسلمين في عهده بلاءً حسنًا، فكانت الفتوحات في العراق مبشّرة بشروق فجر يوم جديد على الأمّة، وقد كان من أقرب القادة العسكريّين إلى قلب أبو بكر سيّدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، كما وكلّفه بقيادة الجيوش المتّجهة إلى العراق كما وكلّف قادة آخرين مثل أبو عبيدة عامر بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص بالتّوجه إلى الشّام لمقارعة الرّوم وحلفائهم من الغساسنة.
وقد بقي الرّوم يتربّصون بالمسلمين ويتحيّنون الفرصة بين الفينة والأخرى للهجوم عليهم، خاصّةً بعد أن شهدوا خسارة كثيرٍ من المناطق التي يسيطرون عليها بعد فتحها من قِبل المسلمين، كما ساهمت عددٌ من المعارك مثل معركة أجنادين في هزيمة الرّوم وضعفها، فقرّر هرقل عظيم الرّوم أن يحشد جيشًا من شتّى الطّوائف والإثنيات للهجوم على الشّام واسترداد ما فُقد منها، وقد جمع جيشًا مكوّن من مائتين وخمسين ألفًا تقريباً من المقاتلين الأرمن والسّلاف والرّوس والرّومان.
وعندما علم المسلمون بحشد الرّوم قام أبو بكر الصّديق بتكليف خالد بن الوليد بالمسير من العراق إلى الشّام، كما كلّفه بإمرة جيوش المسلمين الأربعة، وعندما وصل خالد بن الوليد إلى الشّام قام بخطّةٍ عسكريّة محكمة حيث وحّد الجيوش الإسلاميّة الأربعة حتّى لا تبقى منفردة يستفرد بها العدو، كما قام بتقسيمها إلى أربعين كردوسًا كلّ كردوس يتكوّن من ألف مقاتل، كما جعل للجيش ميمنةٌ عليها قائد، وميسرةٌ عليها قائد، وقلب الجيش وعليه قائد، وشكّل كتيبةً من الفرسان متحرّكةً غير ثابته.
وقد التقى الجيشان في منطقة اليرموك في الاردن سنة 15للهجرة الموافق 636 ميلادي وأبلى المسلمون بلاءً حسنًا واستمرت المعركة ستّة أيّام كانت الأيّام الأولى منها سجال بين الفريقين، ولكن في اليوم الخامس والسّادس بدأت كفّة المعركة تميل للمسلمين حيث أثخنوا في المشركين قتلًا فهلك الآلاف منهم وخرج الجيش الإسلامي منتصراً.