الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، من بعثه الله رحمة وهدى ونور لنا، أخرجنا من الظلمات، وأرشدنا إلى الإسلام ونعمه، والشكر الدائم لربنا -جل جلاله- من سترنا ورزقنا فضله وبركاته ونعمه، وفرج كروبنا، وشرح صدورنا للإسلام ورزقنا إياه، هذه النعمة العظيمة الذي عجز لساننا عن وصفها وحمدها وشكرها .
عندما تضيق الصدور وتغلق الأبواب يبقى باب الله مفتوحا للتضرع والسؤال، فهو المعطي إذا امتنع الغير عن العطاء، وهو المخلص من الآلام، وهو الغفور الرحيم عندما تنتزع الرحمة من الصدور، وما احسن وأفضل من ذلك الوقت الذي يكون العبد فيه قريب إلى خالقه وبارئه، وما أعظم أن يشكر العبد ربه، فيسجد له سجدة شكر عند نزول نعمة عليه، أو فرح، أو رفع بلاء وضر، فسجدة الشكر اختلف فيها وفي جوازها، ولكن أصح الأقوال قول الجمهور بجوازها ومشروعيتها، فلا حرج للإنسان أن يشكر ربه، فالشكر كتعرف ما هو بالقلب فهو بالفعل أيضا، وللشكر ثلاث حالات :
- شكر القلب: وأشار الله إليه في قوله تعالى: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ"، وهو أن الإنسان عليه أن يعتقد دائما أن لا خير إلا من الله -عز وجل-، لا بقوله ولا قوته، واعتقد فضل الله -جل جلاله- عليه فيها .
- والنوع الثاني هو شكر اللسان: وأشار الله إليه بقوله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"، أي أنعم الله علي، سترني وعافاني ورزقني وأكرمني ورفعني ويسر لي، ويحدث الإنسان أبنائه، وكيف أن الله أغناه من بعد فقر؟ وكيف كان مريضا فعافاه الله؟ يعلمهم بذلك على شكر الله -جل وعلا- على نعمه . والثاني دل عليه في قوله تعالى: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"، فمن شكر، شكر الله له شكره، وبارك له في نعمته، ومن كفر، فإن الله غني حميد .
- والثالث هو شكر العمل: وهو أن يتذكر الإنسان نعمة الله عليه وهو جالس، فمثلا تذكر كربة من الكربات فرجها الله عنك في صحتك، في مالك، في أهلك، فما تمالكت إلا أن سجدت لله شاكرا، وكذلك إذا جاءك يوما خبرا سارا، أو نعمة، وكانت نعمه الله عندك عظيمة، فخررت ساجدا لله -جل جلاله-، فأثنيت على الله -سبحانه وتعالى- شاكرا له على نعمائه .
فالله ينظر للإنسان أنه أول ما أنعم عليه سجد له شكرا، وهذا هو حال الصالحين، شكر الله قولا وعملا، فإذا كمل شكر العبد، كملت هذه الامور، فعلى الإنسان أن يكون دائم الشكر لله، فقد قال بعض السلف: إن ذلك الشكر يعود عليه بركة وصحة ويسرا في حياته كلها .
لذا، علينا في السراء والضراء أن نحمد الله -عز وجل- لما هدانا من نعم عظيمة،فالله وإن أحزننا، فهو حزن لصالحنا، ولا يختار الله لنا إلا ما فيه خير لنا .