جعل الله سبحانه و تعالى الجنّة جائزةً لعباده المتّقين ، فمن سعى إليها فعمل الصّالحات و ترك المنكرات و بذل في سبيل ذلك الجهد أورثه الله الجنّة فكانت له دار مقامةٍ و خلود ، فأهل الجنّة يتنعّمون فيها فلا يبأسون و يخلدون فيها فلا يموتون ، يطوف عليهم الولدان المخلّدون بما تشتهيه أنفسهم و تلذّ أعينهم من أصناف الطّعام و الشّراب ، و يلبسون ثياباً خضراً صنعت من سندسٍ و استبرقٍ و حرير ، و يحلّون فيها أساور من ذهبٍ و فضّةٍ ، تجري من تحتهم الأنهار و لهم في الجنّة ما تدّعي أنفسهم و يخطر ببالهم من النّعيم ، و من النّعيم الذي أكرم الله به عباده المتّقين الحور العين .
فالحور العين هنّ ما أعدّ الله للمتّقين من زوجاتٍ وصفهنّ بالحور أي شديدات البياض أعينهنّ مكحّلة و وصفن بالعين أي ضخام العيون و هذه كناية عن جمالهنّ ، لهنّ صوتٌ جميلٌ ينشدن به و يتغنين مفتخراتٍ بحسنهن و يقلن نحن الخالدات فلا نموت أبدا و نحن المتنعّمات فلا نبأس أبدا و نحن الرّاضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنّا له و كان لنا ، و قد وصف الله سبحانه الحور العين بأنّهن أتراب أي على سنّ واحدةٍ ، عاشقاتٍ لأزواجهنّ حتى أنّهن ليتأذّين إذا تعرّض زوجهنّ من رجال الدّنيا لأذى من زوجته قائلات في أنفسهن لا تؤذيه قاتلك الله فإنّه ضيفٌ عندك و يوشك أن يرتحل إلينا ، و قد وصفن بأنّهن مقصوراتٌ في الخيام فلا يغادرنّ قصورهنّ ، قد قصرن نظرهنّ على أزواجهنّ فهن قاصرات الطّرف ، و الحور العين كما وصفهنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يرى مخ سوقهنّ من وراء جلودهنّ و هذا من رقّة خلقهن ، و لو أنّ إحداهنّ اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينها و لملأتها ريحاً و لنصيفها أي منديلها و خمارها خيرٌ من الدّنيا و ما فيها .
و لا شكّ أن المرأة الصّالحة من أهل الدّنيا هي احسن وأفضل من الحور العين ، فالمرأة الصّالحة عبدت الله في الدنيا فصامت و صلّت و تحمّلت الأذى و الابتلاءات فصبرت ، و وقفت مع زوجها في السّراء و الضّراء و ما جزعت ، فلو جاز أن يتنافس الطرفين و يقدم كل طرفٍ حجّته و مزيته لغلب نساء الدّنيا الحور العين .