بعد وفاة الداعمان الأساسيان للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وهما زوجته خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – وعمه أبو طالب فيما عرف تاريخياً بعام الحزن، اشتد وقع الأذى بالرسول ومن معه من طائفة المؤمنين، فتوجه الرسول الأعظم إلى الطائف ولكنهم آذوه وطردوه ولم يستجيبوا له، وكان من عادة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أن يستغل موسم الحج في دعوة القبائل والوفود إلى الإسلام، وهذا ما قد كان، فحاول الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يستغل هذا الموسم العظيم في الدعوة إلى دين الله تعالى، وإيجاد من يمدون له يد العون والمساعدة ويحمونه من الأذى ليستطيع تبليغ دعوته كما أمره الله تعالى. فالتقى الرسول مع وفود من قبائل بني حنيفة وكندة وكلب، فكذبوه، والتقى أيضاً مع بني عامر، فوافقوا واشترطوا عليه شرطاً وهو أن يكون لهم الأمر من بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فرفض الرسول ذلك لأن الأمر كله بيد الله – سبحانه وتعالى – فلا يملك أحد هذا الأمر بيده.
وعرض أيضاً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نفسه على وفد يثرب، فشرح الله تعالى صدورهم إلى دين الإسلام، فآمنوا وهداهم الله، واتفقوا معه على العودة في العام القادم والالتقاء به، وفعلاً عادول في العام القادم وهو العام الثاني عشر للبعثة، والتقوا به التقى بهم وكان عددهم قد زاد، وبايعوا الرسول بيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم إلى يثرب الصحاب الجليل مصعب بين عمير أول سفير في الإسلام، وكان هذا الصحابي الجليل أهلاً لذلك، فقد استطاع أن ينشر الإسلام في يثرب ويعلم الناس هذا الدين العظيم.
وفي العام الثالث عشر للهجرة، عاد الوفد وقد ازداد عددهم بكل أكبر فقد وصولوا في هذا العام إلى ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتان من قبيلتي الأوس والخزرج، وبايعوا الرسول بيعة العقبة الثانية، وهذه البيعة هي البيعة الأخيرة قبل الهجرة، حيث دعوا الرسول – صلى الله عليه وسلم -، إلى الهجرة معهم إلى المدينة المنورة، على أن يحموه مما يحمون منه نساءهم وأبناءهم، وفعلاً هاجر الرسول إلى المدينة المنورة واستطاع إيقاف المعارك والتوترات التي كانت ناشبة بين الأوس والخزرج، إضافة إلى ذلك فقد أسس الدولة في المدينة المنورة، واستطاع أن ينشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، أما من ناصره وآزره من أهل يثرب فقد كانت لهم الجنة – رضي الله عنهم جميعاً -، كما وعدهم الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم -.