حمل النّبي صلّى الله عليه و سلّم و الذين آمنوا معه لواء الدّعوة إلى دين الله تعالى ، فتعرّضوا من أجل ذلك للكثير من الابتلاءات و الأذى ، و كانوا يتعرّضون لصنوف العذاب ، و قد تصدّى النّبي عليه الصّلاة و السّلام لمهمّة نشر الدّعوة الإسلاميّة بين النّاس ، فقد كان يتعرّض للقبائل العربيّة التي كانت تأتي في مواسم الحجّ ، فينتهز الفرصة لدعوتها لدين الله فيشرح لهم الإسلام و أحكامه و أنّه بعث رحمةً للعالمين و رسولاً هادياً ، و في إحدى هذه المواسم من السّنة الحادية عشرة للهجرة ، جاءت وفودٌ من المدينة و كانت تسمّى وقتئذٍ يثرب ، فدعاهم النّبي الكريم إلى الإسلام و الإيمان به ، فاستجاب له عددٌ منهم و آمن بدعوته ثمّ وعدوه بالإتيان في نفر منهم و الالتقاء في منطقة العقبة قرب منى ، ثم جاء النّفر إلى رسول الله عليه الصّلاة و السّلام و اجتمعوا به ، و كان عددهم اثنا عشر رجلاً فعرض عليهم الإسلام و بايعهم على عددٍ من الأمور منها أن يشهدوا الشّهادتين ، و أن لا يزنون و لا يسرقون و لا يؤتون ببهتانٍ يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ، و أنّه من عمل شيئاً من ذلك و عوقب عليه كانت كفارةٌ له ، و من ستر ذلك كان شأنه إلى الله يوم القيامة ، إن شاء غفر له ، و إن شاء عذّبه ، و قد سمّيت تلك البيعة ببيعة العقبة الاولى ، و قد أرسل النّبي الكريم معهم الصّحابي الجليل مصعب بن عمير ليكون أوّل سفيرٍ للإسلام يبلغ دعوة الله سبحانه إلى أهل المدينة .
و قد تلت بيعة العقبة الأولى بيعةٌ ثانيةٌ ، استكملت فيها العهود و المواثيق بين النّبي صلّى الله عليه و سلّم و أهل المدينة ، حيث أتى النّبي الكريم عند العقبة اثنان و سبعون رجلاً من المدينة منهم امرأتان ، بايعوا النّبي على ما بايعوه في البيعة الأولى ، و قد أخذوا على عاتقهم عهداً أن يمنعوا رسول الله ممّا يمنعوا به أبناءهم و نساءهم ، و قد بايعوا رسول الله على ذلك فهاجر النّبي الكريم إليهم ليكون مقدمه إلى المدينة بداية تأسيس الدّولة الإسلاميّة ، و بداية سطوع شمسها على أرجاء المعمورة .