التميّيز بين الإدراك الحسّي والإدراك العقلي مهم جداً وهو أهم من التميّيز بين المعرفة الحسّية والمعرفة العقليّة وهذا التميّيز أيضاً ثابت نظريّاً وعملياً.
من الناحية النظرية:
الإدراك الحسي:
1. الإدراك الحسي انعكاس الدماغ على الواقع
2. لا بد من مطابقة الإدراك الحسي على المعرفة الحسية مطابقة تامة. فالذي يدرك التفاحة إدراكاً حسياً لا بد أن يقع إدراكه عليها حتى يفهمها فهماً حسياً.
3. الإدراك الحسّي إدراك مباشر لمعرفة حسّيّة الأشياء.
4. الإدراك الحسّي لا إرادي فإذا وجد الإنسان الأشياء وجد الإدراك الحسّي لأنّه ناتج عن نشاط وظيفي لا إرادي لإعطاء الحسّية والجهاز العصبي المركزي.
الإدراك العقلي:
1. ليس انعكاساً عن الواقع.
2. هو نشاط دماغي في بنيته المعاني المكتسبة.
3. إدراك غير مباشر للمعارف الحسيّة عن الأشياء ومباشر للمعارف العقليّة عنها. الإدراك العقلي إرادي إذا سعى الإنسان لتحصيل المعارف العقليّة وجد الإدراك العقلي لها، وإذا لم يسع لا يتحصل لديه مع وجود الأشياء من حوله.
هذا من الناحية النظريّة أمّا من الناحية العمليّة:إن ّ فهم الطفل الحسّي لأهميّة التّفاحة لو أخذها منه أخوه سيجعله يتمسّك بها ذاتها ولا يرضى بديلاً لها حتّى لو أعطي َضعف ثمنها أو تفاحة أكبر منها لأنه يتعامل بإدراكة الحسّي لا العقلي ولو أن لديه إدراك عقلي لقبل بأي تفاحة. وهذا ينطبق على كل ألعاب الأطفال فإنهم يتعلقون بها حسب أفهامهم الحسية.إذن الإدراك الحسي غير الإدراك العقلي. ومن الخطأ عدم التفريق بينهما. وإهمال هذا التفريق أوقع بعض الباحثين في التناقض والإضطراب سواء عندما بحثوا في صياغة نظريّة معرفيّة كما حصل عند بعض الفلاسفة أو عندما يتم تبادل المعلومات والخطابات والحوارات المباشرة أو من خلال الكتب والرسائل بين الناس.
والمقصود بالإدراك المباشر هو الإدراك الذي يباشر عبر الحواس على الأشياء وهذا موجود في الإدراك الحسّي وهو شرط له وموجود في الإدراك العقلي ولكنّه ليس شرطاً فوجود الماء والأشياء يؤدي بالضرورة إلى وجود فهم حسّي عما يعرف ويدرك وأنّه لا يؤدّي بالضّرورة إلى وجود فهم عقلي عن حقائق الأشياء. وهذا يوضح أن الإدراك العقلي لا يباشره الجهاز العصبي بالضرورة وإنّما بالإرادة والإختبار وهكذا كل الأشياء التي يقع عليها الإحساس. وما قيل عن القلم المستقيم إذا وضع في الماء فإنه يرى غير مستقيم وقد كان يرى مستقيماً قبل وضعه في الماء وإذا وضع في الماء وظهر وكأنّه مكسور وظن البعض أن هذا يحكم عليه بالإدراك الحسي والإدراك العقلي ، فلا يحكم على المعاني العقلية بالفهم الحسّي ولا يحكم على المعارف العقليّة بالإدراك الحسّي وهذه الأحكام من أكثر مواطن الخطأ.
والحكم على المعارف العقلية فإنها تحكم أولاً بالفهم العقلي والإدراك العقلي الذي يعلّل الظواهر ويدرك قوانين الأشياء من مثل قانون انعكاس الضوء وانكساره في الوسط الفيزيائي المتجانس أو عند اختلاف الكثافة وغيرها من الصّفات الفيزيائيّة. فالقلم المستقيم يدرك إدراكاً عقليّاً أنّه قلم ومستقيم، إذ يدرك كذلك إذا نظر إليه من تحت الماء لأنه سيكون مستقيماً.ولما كان الوصف البسيط يجمع في طيّاته الكثير من المعاني حول الماء وما يتعلق بقوانين الانعكاس وقوانين الإنكسار علم أن الأمر يتعلّق بالفهم العقلي والإدراك العقلي وليس بالإدراك الحسي فقط وللفهم الحسّي ومنه فإن للإدراك الحسي حدوداً ألا يتعدّاها وأولها إثبات وجود الأشياء وتكوين معنىً منفرد عن الشيء لونه أو طعمه أو شكله أو اسمه أو ما شابه ذلك.
لذا فإنّ الفهم الحسّي فهم أولي وسطحي حدوده مظاهر الأشياء، والفهم العقلي فهم شامل وعميق ولا تنتهي حدوده ما دام هناك تفكير.
المصادر:
1.عمران سميح نزال مرجع سابق ص125-126.