في ظل الإنحطاط وتوالي الكوارث والحروب والذي تشهدها الساحات العربية، يزداد الحنين إلى حضاراتٍ وعصور غابرة مضت، عم فيها رخاءٌ لم نعهده، وتطورات على مختلف الأصعدة، أربكنا الكون بإنجازاتنا وقوتنا في تلك العصور.
العصر الأموي أو (دولة بني أمية)،(41 - 132 هجريا)(662 - 750 م)، هي ثاني دولة في الإسلام، وأكبر دولة في تاريخ الإسلام، وعاصمتها دمشق، تأسست على يد معاوية بن أبي سفيان، وإتسعت وإزدهرت في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، حيث إمتدت حدودها من أطراف الصين شرقاً، حتى جنوب فرنسا غرباً، وتمكنت من فتح إفريقيا والمغرب والأندلس، وجنوب الغال والسند وما وراء النهر، أما أكبر الفتوحات فقد كانت في عهد الوليد بن عبد الملك.
شهد العصر الأموي ثوراتاً وفتناٌ كثيرة، وأبرزها ثورة الحسين بن علي على يزيد بن معاوية في معركة (كربلاء)، ومن أشهر الولاة الأمويين، والذي كان له الفضل الأكبرفي إخماد هذه الثورات وتهدئتها هو (الحجاج بن يوسف الثقفي ) وإلى الكوفة والعراق.
في الشأن الأدبي والفنون التي انتشرت وبزخم وازدهرت في ذلك العصر (الشعر)، ومن أبرز شعراء العصر الأموي :- الفرزدق، جميل بثينة، كثير عزة، جرير، ليلى الأخيلية، النابغة الشيباني، وغيرهم الكثيرين. وإنتشر فن الغناء في ذلك العصر على امتداد الدولة، وشغف به العرب كثيراً، حيث إزدهر في الحجاز، ومنها انتشر لأرجاء الدولة الأموية بإستثناء الشام عاصمة الدولة، فلم يظهر بها إلا (أبو كامل الغزيل الدمشقي) مولى الوليد بن يزيد.
على الصعيد العمراني، فقد إمتاز فن العمارة ببساطته، إلا أنه تأثر كثيراً بالعمارة البيزنطية التي كانت سائدة في بلاد الشام، ويظهر هذا التأثير ونتائج جليا في مسجد قبة الصخرة، أما القصور الأموية فكانت فريدة لا مثيل لها، وهنا يعد مسجد قبة الصخرة المبني في عهد عبد الملك بن مروان في القدس، و جامع بني أمية الكبير (المسجد الأموي) المبني في عهد الوليد بن عبد الملك في دمشق، من أشهر وأهم الإنجازات المعمارية في العصر الأموي.
وعلى صعيد الحركة العلمية، فقد كانت للدولة الأموية الفضل الأكبر في التمهيد لإزدهار الحركة العلمية التي لمعت وسطعت في العصر العباسي، ومن أهم الإنجازات التي هيأت لإزدهارها، حركة التعريب في عهد عبد الملك بن مروان، والذي جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وتدوين العلوم وتعريبها، وإنشاء المدارس والمستشفيات بكثرة في عهد الوليد بن عبد الملك.
وأخيراً لن أنسى ذكر أشهر الخلفاء في العصر الأموي، والذي يمثل بالنسبة لنا (أسطورة)، يكاد العقل لا يتقبل تصديقها، هو الخليفة (عمر بن عبد العزيز)، والذي لقب ب (الخليفة الزاهد)، فقد اشتهر عهده بالرخاء والإستقرار العظيم في أنحاء الدولة الأموية، وساد العدل، حتى قيل أنه في عهده كان المتصدقون يبحثون عن فقراء ليعطوهم المال، فلا يجدون فقيراً أو جائعاً فيها ! أين أنت منا أيها الخليفة الزاهد، يقتات الفقراء طعامهم عن الأرض ومن مكب النفايات، وتتدلى بطون الولاة والملوك والسلاطين من التخمة، لا يكترثون برعية، وهمهم الوحيد الشاغل ذلك العرش الذي يجلسون عليه !!