تعرف نقطة النهاية للعصر الجاهلي، وهي بدء نزول الوحي على نبيّ الرحمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، أمّا نقطة البداية فقد اختلف المؤرخون في تحديدها، فمنهم من حصرها ما بين قرن ونصف وثلاثمئة عام، ومنهم من أرجعها إلى أعماق التاريخ الموغلة في القدم، فقد أوصل خطوتها الأولى إلى النبيّ نوح عليه السلام.
الذين حصروا المدة بقرنين أو ثلاثة اهتدوا ببداية الشعر العربي، فأول من نظم شعر، كما تذكر معظم الروايات، هو المهلهل بن ربيعة الزير سالم، والمهلهل هذا عاش في نهايات القرن الخامس الميلادي وبدايات القرن السادس، أيّ قبل بعثة النبي محمد بأكثر من قرن.
و أمّا الذين يمدّون الرقعة الزمانية لانطلاقة العصر الجاهلية حتى لا يكادون يضعون لها حدّا فإنّهم يربطون هذا العصر بالأمة التي مثّلت هذا العصر، وهم العرب، والعرق العربي قديم في الجزيرة العربية والشام وفي الجنوب (اليمن).
وتسمية العصر الجاهلي بهذا الاسم ليست من أهل ذلك الزمان، بل جاءت التسمية بعد الاسلام،نسبة إلى جهل الناس في ذلك الزمان بملة إبراهيم عليه السلام أو بالرسالات السماوية ، حتّى سمّى العرب بالأميين، أيّ الذين ليس لهم كتاب إلهي، فقد جاء في محمكم التنزيل: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" الجمعة (2) وجاء في موضع آخر من القرآن: "قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ" آل عمران (75).
وقد اعتنق معظم العرب في العصر الجاهلي الوثنية، فكانت كلّ قبيلة تصنع لها صنماً تعبده وتتقرّب إليه، وتؤمن أنّه يمنحها الخير، وكانوا إذا ما أقدم أحدهم على أمر كسفر أو زواج أو بيع يستنجدون بآلهتهم لتهديهم إلى جادة الصواب، ومن هذه الأصنام: اللات ومناة والعزى وهبل، وغيرها من الأسماء ما أنزل بها من سلطان، وجزء قليل كان على اليهودية و آخر على النصرانية.
و أبرز ما برع فيه العرب هو الشعر، فسمّوه ديوان العرب لشدة احتفائهم به وميلهم إلى نظمه وحفظه، فالجميع يقدّسه ويسعى إلى الدخول فيه ثمّ التميّز، فقد تكون الأسرة كلها شعراء، فمثلا كان زهير بن أبي سلمى شاعرا و ولداه كعب وبجير شعراء، وزوج أمه أوس بن حجر شاعرا، وعلى ذلك فقس. وكانوا يقيمون الأسواق والمناظرات الشعرية فيما بينهم، ولحبهم بالشعر وفرط عنايتهم به كان العرب لا يهنئون إلا على ثلاثة أشياء، هي: ولادة ذكر، وبزوغ شاعر و ولادة مهر، وهذا يشير إلى العلاقة التي تربط العرب بالشعر.وقد عرفت في العصر الجاهلي قصائد سمّيت القصائد (المعلقات) وهي من أنفس الشعر الجاهلي والعربي عموماً، نظراً لاهتمامهم بهذا القصائد كتبوها بماء الذهب وعلّقوها على جدران الكعبة، و وصل عدد المعلقات إلى عشر معلقات أبرزها معلقة امرئ القيش وزهير بن أبي سلمى و طرفة بن العبد. هذا على الرغم من أنّ الكتابة لم تكن منتشرة في العصر الجاهلي، بل كانت مقتصرة على عدد قليل ممن يملكون المقدرة على ذلك، فقد سادت الأمية في ذلك الزمان، وقلّما يوجد من يعرف القراءة والكتابة، ولكنهم مع دوّنوا هذه القصائد، وهذا إشارة أخرى وبرهان أكيد على مدى تعلّقهم وشغفهم بالشعر. ومن الأمور الأخرى التي اهتم بها العرب أيضاً اهتمامهم بالأنساب والفراسة والقيافة.
أمّا من الناحية الاجتماعية فقد كان المجتمع الجاهلي مجتمعا قبليا، ينصهر الفرد في قبيلته يتحدّث باسمها، ولا يخرج عما تريده القبيلة، حتّى قال أحد الشعراء وهو دريد بن الصمّة:
وهل أنا إلا من غزية إن غـوت غويت، وإن ترشد غزيـة أرشد
ومن يخرج عن دائرة القبيلة يصبح صعلوكا أو يهرب إلى قبيلة أخرى فيتحول إلى مملوك.
وكانت الحروب الطويلة بين هذه القبائل على سبب وبدون سبب ومنها حرب البسوس، وحرب داحس والغبراء، وكان الغزو والسلب سائدا شائعا في العصر الجاهلي، فالقبيلة التي ترى نفسها قادرة على الإغارة على قبيلة أخرى لا تتوانى في ذلك، أيّ أن منطق القوة هو الذي يحكم، فالقبائل الضعيفة تضطر إلى طلب الحماية من غيرها فتتخذ القبيلة الحامية أفراد القبيلة الضعيفة موالي (مواطنين من درجة ثانية أو ثالثة)...