منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم محمّد عليه الصّلاة والسّلام والكفّار والمنافقين يضمرون له ولدعوته الشرّ والأذى ، وقد تحمّل النّبي صلّى الله عليه وسلّم شتّى صنوف الأذى والمعاناة في سبيل الدّعوة إلى دين الله وصبر على ذلك متوكلاً على الله مستمسكاً بحبله المتين ، وقد حاول الكفار ومن والاهم من اليهود أكثر من مرّة اغتيال النّبي الكريم ، فحين همّ النّبي بمغادرة مكّة والتّوجه إلى المدينة المنوّرة عزم الكفار على اغتياله فأعدّوا العدّة وجهّزوا أنفسهم وقصدوا بيت النّبي الكريم ، وحينما دخلوا إلى حجرته وكشفوا عن غطائه وجدوا سيّدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه نائماً في فراشه ، فقد افتدى عليّاً النّبي عليه الصّلاة والسّلام ، وهاجر النّبي الكريم إلى المدينة بسلامٍ ليكمل مسيرة دعوته .
وبعد وصوله إلى المدينة واجه تحدّيات كثيرةٍ لبناء دولة الإسلام ونشر الدّعوة ، وقد حصل مرّةً أن حاول اليهود اغتياله حين همّ أحدهم برمي حجرٍ على رأسه وهو مستندٌ على جدار ، فأعلمه الله بنيّتهم فخرج وكانت بعد ذلك غزوة بنى النّضير .
وقد كان النّبي الكريم عليه الصّلاة والسّلام يحب الكتف من الشّاة ، فعلمت إحدى اليهوديّات ذلك فقامت بإهدائه كتف شاةٍ ووضعت السمّ فيها ، وحين همّ النّبي الكريم بأكلها أعلمه الله تعالى بذلك فامتنع عنها ، حتى حدّثت بعض الرّوايات أنّه في أثناء احتضاره كان يجد آثر هذا السّمّ ألماً في جسده ، فكان عددٌ من الصّحابة يرون أنّ الله تعالى قد أراد أن يجمع لنبيّه مرتبة الشّهادة مع النّبوة لرفع درجته .
وعندما حان وقت ارتقاء روح النّبي الطّاهرة المطهّرة إلى باريها ، أستأذن النّبي أزواجه بأن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها ، وقد وكّل سيّدنا أبو بكر الصّديق بالصّلاة بالنّاس حين اشتداد مرضه ، وأشدّ ما كان يفرحه أن يفتح ستر بيته من جهة حجرة السّيدة عائشة ليرى المصلّين وهم يصلون محافظين على تلك الشّعيرة ، وعندما أتى فجر يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسّنة الحادية عشر للهجرة خيّر النّبي الكريم في قبض روحه فاختار قبضها ليكون مع النّبييّن والصّدّيقين ورفع بصره إلى سقف حجرة السّيدة عائشة رضي الله عنها وفاضت الرّوح التي لم تعرف البشريّة أعظم منها إلى باريها في مشهدٍ جليلٍ مهيب أبكى الأعين وأحزن القلوب بغياب طبّ القلوب ودوائها سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم .