حقوق الطفل
لا شك أن عدداً لا بأس به منا قد عاصر سنوات عدة قد كثرت فيها المناداة و المطالبة بحقوق الطفل، أيضاً شاهدنا الكثير من الأحداث التي صبت في هذا الجانب، ولعلها كانت أحداثاً فعالة، لكن ألم نسأل أنفسنا: لماذا مازالت وسائل الإعلام والمؤسسات المحلية والدولية والعالمية مستمرة في ذكر هذه القضية؟
لقد قرأنا الكثير من الكتب عن حقوق الطفل، وتعرف على ما هى الواجبات الملقاة على كاهل الوالدين تجاه الطفل، ولعلك لاحظت أن هناك كثير من طلاب رسائل الماجستير والدكتوراة عادة ما تكون حول حقوق رعاية الأطفال، وتوفير البيئة المناسبة لهم، تلك البيئة التي تطلق لهم العنان في تحقيق رغباتهم، ولكن هنا تجدنا أمام تساؤلات غاية في الأهمية، ومن أهم هذه التساؤلات هي: كم نحتاج من الوقت والأبحاث كي نبدأ بالتطبيق العملي على أرض الواقع، والبدء في هذا حقاً، فمن المحزن جداً أنك قد تجد باحثين ومختصين في حقوق الأطفال لا يحسنون معاملة أبنائهم تلك المعاملة الرائعة التي يتحدثون عنها، ومن جهة أخرى، أولئك المتابعون لهذه الأبحاث، إن لم يفقه ما تدعو إليه هذه الدراسات والأبحاث، ويبدأ بتطبيقها على منزله أولاً، ثم يقوم بالنصح لأصحابه وزملائه بتلك القواعد والنصائح لمعاملة الأطفال، فلا يتعب نفسه، ويهدر ذاك الوقت في متابعة هذه البحوث والدراسات التي تنص على حقوق الأطفال.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّه بالرغم من هذا الكم الهائل من الاختلاف، إلّا أنّ الطفل في نواحي العالم كله هو الطفل، والأطفال هم الأطفال، هم جميعهم عالم واحد، عالم البراءة، النقاء، العالم الطاهر، والذي إن زرع بالخير وأشبع بالعطاء ولبي له ما يحتاج، للقينا منه ما نود و ما نتوقع بل وأكثر، لذا كان علينا قبلاً أن نفهم: تعرف على ما هى هذه الحاجات التي علينا توفيرها؟ وما الذي يمكن أن يدخل السرور لقلوب هؤلاء النجوم والنعم التي أنعم بها الخالق علينا؟ وكيف يمكننا أن نوفّر لهم لحظات آمل قد يحلم بعضهم بها؟ وبالرغم من كون التعدد اللامتناهي في العالم الحديث، إلّا أنّنا من الممكن أن نحصر حقوق جميع أطفال العالم على اختلافهم تحت فرعين رئيسيين: الأول (الحقوق العامة)، والثاني (الحقوق المخصصة).
الحقوق العامة
أما عن الفرع الأول، والذي يمكننا تسميته بالحقوق البديهية! نعم البديهية؛ وذلك لأن كل إنسان باختلاف مرحلته العمرية فهو بحاجة إليها، لذلك، كانت حقوقاً عامة لتعم الناس جميعا، وتتلخص في:
حق الحياة
حق الحياة أو حق الوجود، أليس من حق الجميع -وليس فقط الأطفال- التمتع بهذا الحق كاملاً دون شوائب أو معيقات، فلنقل: لا حوادث، لا قتل، ولا تسمم.
الأمن
إن من أهم العوامل التي يتولد فيها الإبداع والإنجاز هو الشعور بالأمن، فالطفل حينما يؤمن بأنه لا خطر يحيط به إن فعل كذا أو جرب كذا، فسوف يطلق العنان لفكره وقلبه، ويعمله حسن الإعمال، ولكن ماذا وإن حرم الطفل من هذا الحق البسيط، أنا أقول لكم: "سرعان ما قد تتحول حياته إلى جحيم وخوف عظيم"، ولكي نضمن لهم حق الأمن، يجب أن تعزز ثقتهم في أنفسهم، وأن ننزع حاجز الخوف المسيطر والمهيمن عليهم من كل نواحي الحياة، فمن حق الطفل أن يقول: لا للحرب، لا للخوف، لا للإرهاب، لا للاضطهاد، لا للترهيب و التهديد.
مقوّمات العيش الرئيسية
من أبسط حقوق الخليقة هي ما يقومها على البقاء، ألا وهو الغذاء، فحتى النبات و الحيوان يحتاج إلى الغذاء، فما البال بنا نحن وبالمخلوقات الملائكية التي عندنا (الأطفال)، أليس من حقهم الغذاء، بل والغذاء الجيد الصحي، الذي يبني عقولهم وأجسادهم بناء صحيّاً سليماً؟! فمن حقهم أن يقولوا: لا للفقر، لا للجوع، لا للحرمان، لا للمجاعات.
العائلة
من الصحيح أن يكون هذا الحق هو أولى الحقوق التي نطالب بها، ونسعى لتوفيرها لكل طفل فور وصوله لهذه الحياة؛ لأن هذه العائلة هي التي ستستقبله، هي التي سوف تقدم له باقي الحقوق، ستساعده على الحياة، وهي أيضاً أول من سيرى نتاج ذلك، والعقبى التي تنتظر منه، فمن حقهم أن يقولوا: لا للتشرد، لا للتفكك، لا للكراهية، لا للعنف، ولا للضياع.
التعليم
يتحدثون عن حقوق الأطفال أملا منهم في بناء المجتمع وتحسينه، لكن من أين سيأتون بالأفكار البناءة، هذا يتسنى لهم حين يتلقون التعليم بمختلف أساليبه المناسبة، ولكل فئة عمرية لهم، وحسب ما يتوافق مع ثقافة الوطن الذي يعيشون على أرضه، ولكن علينا الانتباه جيداً، بأنّ هؤلاء الأطفال ما كانوا ليعملوا عملاً، أو يسطروا نجاحاً مستقبلياً، إلّا إن كانت مشاعر الحب للوطن والمجتمع نابعة من قلوبهم أولاً، ثم العمل على التعليم المنهجي الصحيح، فمن حقهم أن يقولوا: نعم للتعليم، نعم لمشاركتهم الجهد، نعم للتعاون، نعم للنجاح.
اللعب واللهو
أطفالنا هم مخازن طاقات فتاكة، تنضح بما نزرعه في تلك المخازن، أما عن اجمل وافضل الأساليب التي يمتلئ بها الطفل طاقة إيجابية، ويتخلص من الطاقة السلبية، هي أوقات اللعب واللهو والمرح، وذلك مع من يحبهم، ويشعر أنهم لا يملون منه، ومستعدون أن يبقوا معه طول اليوم، وذلك فقط للترفيه عنه، فلننظر لعالمنا الجديد والمعاصر، والذي لا تمضي ساعة فيه، إلا وتخرج كل يوم فكرة جديدة، ومكان جديد للترفيه عن الأطفال، وما أكثر هذه الوسائل! فمن حقهم أن يقولوا: نعم للمرح، نعم للعب، نعم للعطاء، نعم للسعادة.
الحقوق الخاصّة
أمّا عن الحقوق التي أسميناها بالمخصصة، فيصعب إجمالها، وذلك لكونها تختلف من طفل لآخر، ومن مكان لآخر، ومن ثقافة لغيرها، ومن ديانة لغيرها، أو حتى من وقت لغيره. نحن هنا لا نطالب بأن نجمع أطفال العالم، ونسكنهم وطناً وردياً ذا معطيات خيالية وبإمدادات جمة، حتى نرى منهم الإبداع والعيش السليم، ليس هذا ما ندعو له نحن، ولا المؤسسات العالمية، ولا جمعيات حقوق الانسان، لا بل ما نبتغيه ونسعى إليه هو مجرد لفت نظر بسيط لفكرة (إن زرعت أرضاً نظيفة من البداية بتنظيف تربتها، ومن ثم اهتممت بها بجهد معقول، فإنها ستدر عليك الخير، كل الخير)، وهنا لننظر لأطفال العالم بالأرض، وهذه الحقوق هي التربة التي علينا إعداداها وصيانتها بحب وإخلاص.
إنّ الأطفال هم آباء المستقبل، لذلك لا بدّ من احترامهم والنظر إليهم من هذا المنظور، هذه ستكون بداية قوية لإعطائهم بكل كرم وحب، وهذا أيضا سيجعلهم يردوا ذلك أضعافا في صورة نجاحات، إنجازات، أحلام جميلة متحققة، أوطانا معمرة، أناساً متحابة، عائلات معطاءة، وغيرها من الأحلام الوردية التي طالما حلم بها الكثير وظنّها مستحيلة.