العلم سمة العقل البشري المتميزة، فقد أعطانا الله عقلاً متطوراً جداً، فهو يتسع لجميع المعارف إن أردنا بإرادتنا استيعابها، وإذا اجتمعت العقول البشرية التي تحتوي في أدمغتها علوماً مختلفة من أجل الارتقاء بالمجتمع، يسمى هذا المجتمع "مجتمع المعرفة".
وهم مجموعة من الناس ذوي الشهادات العلمية، والذين يرغبون بمشاطرة معارفهم مع الآخرين من أجل الارتقاء بأمر معين، مثل مجموعة من فني المختبرات الذين يجتمعون في كل أسبوع مرة مع العلماء، لسرد النتائج التي توصلوا لها في مختبر علمي، وإعطاء التوصيات بشأنها.
وتعتبر المعرفة ناتج التفكير المركز، والاستدراك العقلي والمعرفي، حيث يقوم فرد بالدخول إلى مجموعة، ويبدأون بالتفكير الجمعي ووضع لُبنة فوق أخرى للخروج بعلم ومعرفة جديدة من خلال الاستنتاج والاستنباط.
وتعتبر المعرفة رأس المال الحقيقي لهذه المجتمعات، والتي تعتبر ظاهرة قديمة وليست حديثة كما يعتقد البعض، فالآباء والأجداد كانوا يتقاسمون المعرفة بشأن نوع البذور الصالحة للزراعة من غيرها، أو الخشب الاحسن وأفضل لصناعة خزانة قوية، أو طاولة طعام جيدة.
وفي العصر الحالي، طغت التكنولوجيا ووسائل الإعلام فأصبحت المعرفة سهلة الانتشار والتبادل، ويلتقي الخبراء والمهنيون في اى وقت ومن أي منطقة بالعالم عبر تقنيات تكنولوجية حديثة، وبرامج واسعة، مثل: الفيديو كونفرس، وبرامج السكايب بي، وغيرها.
ولمجتمع المعرفة أن يكون حراً، حيث أن المعلومات والخبرة التي تتوافر لديه هي للجميع وليست ملكاً لأحد، ويحق لأي شخص الحصول عليها بشكل مجاني، فعلى سبيل المثال: مجموعة المعلمين الذين يكتشفون طريقة تدريس معينة تساهم في رفع المستوى التحصيلي للطلاب، من حق جميع المعلمين في العالم أن يعرفوا هذه الطريقة ويعملون بها، وهذا يمهد لتطوير أفراد العالم كلهم، ونشر العلوم واستنتاجات التفكير المتجمع.
والغرض الأساسي من مجتمع المعرفة هو حدوث التنمية الشاملة لجميع أجزاء المجتمع المختلفة، فالمعرفة المتعلقة بالاقتصاد سوف تطور اقتصاد الدولة، والمتعلقة بإدارة الأعمال سوف تقوم بالارتقاء بمستوى الشركات العاملة، والمعرفة الناتجة في مجال الطب، سوف تخلق المزيد من العلاجات، التي تقلل من الأمراض ونسبتها مستقبلاً.
وهكذا يبدو الأمر وكأنه ثورة متناقلة من دولة لأخرى، حيث تعم الفائدة، والاختراعات، والابتكارات، وتصبح في أيدي الجميع، ويشجع مجتمع المعرفة البحوث والدراسات التي يقوم بها العلماء والمختصين والمهنيين، ويوفر لهم حاجاتهم كي يتوصلوا لمعرفة جديدة لم تعرف من قبل، وهناك بنى تحتية يجب توافرها، مثل: قاعات الاجتماعات الكبيرة والواسعة، ولوحات المناقشة، وتوفير الانترنت، ومصادر المعرفة عليه، وغرف المحادثة الالكترونية، وما إلى ذلك من التقنيات الحديثة، التي تساهم في توفير الوقت والجهد.
وحتى اليوم، هذه المجتمعات في انتشار متوسط النمو، بسبب اختلاف إمكانات وقدرات كل دولة، في احتضان مجتمعاتها المعرفية، فبعض الشعوب لا تتمتع بالاستقرار مما يؤدي لهجرة مجتمعاتها المعرفية الصغيرة لدول أخرى، وبالتالي الدولة لا تستفيد من معرفتهم، بل تصدرها لدول أخرى.
