كان النّبي صلّى الله عليه و سلّم قدوةً في تعامله مع أهله و نسائه ، و قد بيّن أنّ خير الرّجال خيرهم لأهله و أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان خير النّاس لأهله ، فقد كان رفيقاً بهم ، يعاملهم أحسم معاملةٍ ، فلا يعنّف أزواجه ، و لا يحمّلهم ما لا يطيقون ، و يتحمّل غضبهم و غيرتهم بكلّ صدرٍ رحبٍ ، و عندما كسرت أمّنا عائشة رضي الله عنها طبقاً من الطّعام أهدي له من أحدى أزواجه ، لم يزد عليه الصّلاة و السّلام على أن تبسّم ، و قال غارت أمّكم ، و لو حصل هذا الفعل مع أحدٍ من رجال عصرنا لهمّ بضرب زوجته أو شتمها ، و قد كان النّبي الكريم عدلاً بين أزواجه لا يظلم أحداً منهنّ في دورها و حقّها عليه ، حتى عند دنو أجله و مرضه و حين رغب بأن يمرّض في بيت السّيدة عائشة لما كان يحمله في قلبه من حبٍّ شديدٍ لها ، استأذن من كان الدّور عليها في ذلك من زوجاته ، و قد كان النّبي عليه الصّلاة و السّلام يقترع بين زوجاته حين يخرج في مهمّاته حرصاً على تحقيق العدالة في التّعامل معهم ، و كان في بيته يساعد أهله و يعينهم على مهنتهم بدون تكبرٍ أو استعلاء ، و كان يخصف نعله و يخيط ثوبه .
و قد حدث في يومٍ من الأيام حيث كان النّبي في عند زوجته السّيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها ، فأطعمته عسلاً ، و كان النّبي صلّى الله عليه و سلّم يحبّ العسل ، و قد اتفقت السّيدتان عائشة و حفصة رضي الله عنهما على أن يسألانه فيما إذا أكل مغافير و هو صمغ له طعمٌ حلو ورائحته كريهة ، و اتفقا على أن يسألانه نفس السّؤال ، و عندما رأى النّبي الكريم منهن ذلك الموقف ، عزم على أن لا يعود إلى شرب العسل مرةً ثانيةً ، و قد عاتبه الله في ذلك عتاباً لطيفاً رقيقاً في بداية سورة التّحريم التّي سمّيت بسورة النّبي ، و سميّت أيضاً بسورة لم تحرّم ، و كان في هذه السّورة كثيرٌ من العبر و الدّروس المستفادة .