برز الصّحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه كواحدٍ من الصّحابة الّذين لازموا النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وحرص على أن يسمع منه الحديث الشّريف حرصًا شديدًا، فقد كان أبو هريرة واسمه عبد الرحمن بن صخر الدّوسي من فقراء المدينة، وممّن كانوا يسمّون بأهل الصّفة، وهم جماعةٌ من فقراء المسلمين كانوا يجلسون ويبيتون في المسجد، ويعتبر الصّحابي أبو هريرة أكثر من روى عن النّبي الكريم وحفظ عنه الأحاديث الشّريفة، وعندما لامه بعض النّاس على كثرة روايته وحديثه عن النّبي الكريم بيّن لهم سبب ذلك بأنّه كان من أهل الصّفة؛ حيث حرص على ملازمة النّبي الكريم في وقتٍ كان الصّحابة ينشغلون فيه بالصّفقة والتّجارة بالأسواق.
وقد دعى النّبي عليه الصّلاة والسّلام لأبي هريرة أكثر من مرّةٍ، وفي إحدى المجالس أخبر النّبي الصّحابة أنّه من يسبط رداءه حتّى ينهي النّبي مقالته ثمّ يضم رداءه إلى صدره إلّا وعى كلّ ما قاله النّبي فلم ينساه، فأخذ أبو هريرة بهذه الوصيّة فكان لا يسمع شيئًا من نبي الله عليه الصّلاة والسّلام إلّا حفظه قلبه ووعاه. وقد كان أبو هريرة من كبار الصّحابة الذين يجلّهم النّاس ويحترمونهم بسبب ما عندهم من العلم والفقه، وقد كانت أمّه كافرة فجاء إلى النّبي الكريم مرّةً ليدعو لها بالهداية، فدعا لها النّبي الكريم ثمّ رجع أبو هريرة إلى بيته ليجد دعوة النّبي قد تحقّقت، ووجد أمّه أمامه تتوضّأ وتنطق بالشّهادتين في مشهد مهيب أبكى أبا هريرة حتّى ابتلت لحيتاه، وقد دعا له النّبي ولأمّه أن يحبّب قلوب المؤمنين بهما، فكان أبو هريرة يقول ما سمع بي أحد من المؤمنين أو رآني إلا أحبّني ببركة دعاء النّبي عليه الصّلاة والسّلام.
وقد سمّي أبو هريرة بهذا الاسم لأنّه كان يملك هرّةً صغيرةً أو هريرة كان يحبّها ويلعب بها ويضعها في كمّ قميصه أحيانًا، وقد كان ذا دعابة ونكتة، حتّى أنّه حين تولّى إمارة المدينة في فترةٍ من الفترات كان يمشي بين النّاس ممسكًا عصا ويقول افسحوا للأمير مداعبًا النّاس، وقد كان أبو هريرة ممّن يحبّ آل بيت النّبي الكريم لأنّه كان يرى حبّ النّبي لسيّدنا علي وأبناء ابنته فاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهما، وقد بقي أبو هريرة بعد وفاة النّبي الكريم سبعةً وأربعين سنة، ووافته المنيّة في السّنة السّابعة والخمسين للهجرة، ودفن في البقيع، وكان عمره حين وفاته ثمانيةً وسبعين عامًا، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.