كيف تصبح مثقف
بعد أن أصبح العالم بمثابة قريةٍ صغيرة ، بحيث تشابكت المعارف والثقافات ببعضها البعض ، أصبح لزاماW على الإنسان المعاصر أن يتعرف على كل ما يجري من حوله ، وما تعنيه حوله هنا ليس فقط أسرته أو حيه أو بلدته أو مدينته أو دولته التي هو فيها ، بل تعني العالم كله ، والذي بات كقريةٍ صغيرةٍ وخصوصاً في عصر الإنترنت الذي نحن فيه .
تتعرف على طبيب مرموق في مجتمعه ، وتجد أنه يكاد لا يفقه شيئاً من أمور الحياة خارج إطار تخصصه فتنعته بقلة الثقافة ، رغم أنه أفنى السنوات الطوال في طلب العلم ، وذلك لأن معرفته أحادية الجانب ، لا تتعدى معارف الطب وتخصصه فيه ، وما ينطبق على مثال الطبيب هذا تجده ينطبق عند كافة التخصصات الأخرى ، فتجد محامياً بارزاً ولا يعرف شيئاً عن الإسعافات الأولية والتي من المفترض أن يعرفها كل إنسان ، وهناك من لا يعرف سوى أفكار مجتمعه الذي يعيش فيه ، فيظن أن هذه الأفكار بيدها فقط مفاتيح أسرار الكون ، وهذا يعود لإنغلاقه على الذات ، ستجد أن قبائل الأمازون تظن أن هذا الكون ما وجد إلا لهم ، وأن ما بيدهم من " معرفة " هي أم كل المعارف جميعا .
إن الإنسان المثقف هو عكس ذلك تماماً ، فهو ينهل المعرفة من مختلف وجوهها ومن مختلف مصادرها ، ويتنوع في أشكال المعرفة ، فيقرأ عن الفضاء والذرة والعلوم الطبيعية والإنسانية كما يقرأ في التاريخ والجغرافيا وكل مجال معروف حتى الآن من مجالات المعرفة ، فالمثقف يقرأ عن كل شيء ، بذهنٍ منفتح ، وشهيةٍ مستمرةٍ لطلب المعرفة ، وينوّع فيها ، ولا يقف عند علمٍ بعينه فقط بحيث يقطعه نهائياً من التواصل مع ما عداه من علوم ومعرفة ، إهتم بشؤون الطبخ إهتمامك بشؤون السياسة ، وإهتم بشؤون موسيقى الأمم الأخرى إهتمامك بموسيقاك المحلية ، وإهتم بأمور الزراعة كما تهتم بالصناعة والتجارة ، إهتم أن تعرف عن كل شيءٍ في كل أمور هذا الكون إذا أردت أن تصبح مثقفاً .
من الجدير بالذكر هنا ، أن المثقف لا يعني أن يكون علاّمةً في كل شيء ، بل المثقف هو من يسعى للاطلاع على كل شيءٍ يدور من حوله في هذا العالم ، وثقافة المرء تشبه كرة الثلج التي تكبر كلما سارت إلى الأمام .