لا شكّ أنّ الإنسان يعيش في هذهِ الدنيا وهو يتعلّم منها ويتعايش مع من فيها بما آتاه الله من المَلَكات والقُدُرات التي لا توجد عند أحدٍ غيره من المخلوقات؛ فالإنسان هو الكائن الحيّ الّذي يتَصف بالعقل والنطق، يُدرك ما حوله ويفهم ما يدور في أرجاء محيطه، وله لسانٌ ناطق يتكلّم عن طريقه بما يخرج من قلبه، والقلب لا يقتصر فقط على النبض، ولا يعتبر بأنّه مجرّد مضخّة للدماء في كافة أرجاء الجسد؛ بل هوَ مناط التفكير والفقه والإدراك، فقد وصَف الله الذين عطّلوا قلوبهم عن الحقّ بقوله : ( لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بها)، فالفقه -وهو الإدراك والتعقّل- ميّزةٌ اختصَّ اللهُ بها القلب الذي هو حياة الإنسان ومستقرّ الإيمان فيه.
ماذا يُطلق على القلب واللسان؟
في هذا المقال سنتعرّف على الاسم الّذي يُطلق على القلب واللسان؛ حيث إنّهما يُدعيان بالأصغرين، ويُقال إنّما المرء بأصغريه قلبه ولِسانه، وكلمة الأصغرين المقصود بها القلب واللسان، وهي من الثُنائيات في اللغة العربيّة التي تُطلق على العديد من الأمور كالأسودين التمر والماء، والزهراوين وهُما سورتي البقرة وآل عِمران، وهذهِ الثنائيات هي من بدائع اللغة العربيّة التي تجعل للأشياء وصفاً جامعاً لها تتميّز به عن غيرها، وتشترك فيما بينها بجملة من هذهِ الأوصاف الثنائية.
لماذا سمّي القلب واللسان بالأصغرين؟
إذا أمعنّا النظر في وصف هذين العضوين بالأصغرين، سنرى أنّهما سمّيا بذلك لصِغر حجمهما مُقارنةً ببقيّة الأعضاء الأخرى في جسم الإنسان، يُضاف إلى ذلك الأهميّة العُظمى لكلّ من القلب واللسان، والرابط المُشترك بين هذين العضوين أنَّ ما يتمّ احتوائه في القلب من صدق إيمان أو مشاعر صادقة أو خلاف ذلك من كذب وكُفر فهو لا بُدَّ وأن يظهر على لسان الفرد؛ فالقلب هو الباطن واللسان هو الظاهر، ولا بُدَّ لمعرفة الباطن في القلب أن يظهر على اللسان فيبتبيّن لَنا ويتوضّح.
أهميّة القلب واللسان
كلا العضوين يتكوّنا من العضلات، ولولا بثّ الحياة فيهما لكانا فقط كُتلةً من اللحم لا أهميّة لهما ولا قيمة، ومن حيث الجانب الدينيّ فإنَّ القلب يكون مُستقرّ الإيمان والعقيدة؛ فالإيمان ما تقرّر في القلب وصدّقهُ العمل، وهو قولٌ باللسان واعتقادٌ في الجنان، وهو القلب وعملٌ بالجورح والأركان.
وكما يقول الشاعر: لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادهُ.. فلم يبقَ إلّاَ صورة اللحم والدمِ؛ فلا شكَّ أنَّ الأوّلين والآخرين قد اجتمعوا على أهميّة الأصغرين القلب واللسان، ولا ننسى أنَّ اللسان قد يورِد صاحبهُ النار كما يوردهُ قلبه إذا اعتقد مع الله شريكاً أو لم يؤمن به، فهل يكبَّ الناس في النار على وجوههم إلّا من حصائد ألسنتهم!.