القرآن الكريم
القرآن الكريم هو آخر الكُتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على آخر رُسُله، وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة سيدنا محمد لقومه؛ والمعجزة الخالدة إلى يوم القيامة، فالقرآن الكريم صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان. نزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم متواتِراً، أي لم ينزل دفعة واحدة كما أُنزِلت التوراة والإنجيل، بل نزل طِوال فترة الرسالة في حياة الرسول؛ وهي ممتدة على مدى ثلاث وعشرين سنة؛ منذ يوم بعثته عليه السلام وحتى يوم وفاته. القرآن هو مُعجزة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد تحدَّى ربُّ العزة والجلالة العرب في ذلك الوقت – وقد كانوا أفصَحَ الناس – وفي كل وقتٍ بأن يأتوا لو بسورة من مِثله فلم ولن يستطيع أحدٌ القيام بذلك، كما في قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وإلى يومنا الحالي؛ ما زال كِتاب الله يُبهِر العالم بالمعجزات الموجودة فيه والتي لن تنتهي حتى بعد انتهاء العالم، فالله سبحانه وتعالى قد تعهَّد بحفظ كِتابه إلى يوم القيامة وذلك في قوله (إنا نحن نزَّلنا الذِّكرَ وإنا له لحافظون).
طريقة الصحابة رضوان الله عليهم
كان الصحابة عليهم رِضوان الله يتهافتون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه ما نزل من القرآن عليه، فالقرآن فيه خيرٌ كبير وأجرٌ عظيم، فهو يُهذِّب الروح ويُدرِّب النفس. وأجر قراءة القرآن العظيم؛ في أن لقارئه في قراءة كل حرفٍ منه له حسنة، وكما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)؛ فـ "ألم" ليست حرفاً، بل إن "أ" حرف؛ والـ "ل" حرف؛ والـ "م" حرف، فهذه ثلاثة أحرف، والحسنة بعشرِ أمثالها حتى سبعمائة ضِعف؛ والله يُضاعِفُ لِمن يشاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفاضِل بين أصحابه ويُشجِّعهم على حفظ القرآن، فكان عندما يُرسل مبعوثاً؛ كان يُرسل أحفظهم للقرآن، وإذا أرسل بعثاً جعل أحفظهم للقرآن أميراً عليهم وإماماً لهم في الصلاة، فالقرآن يرفع صاحبه كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين). كما أخبرنا أنه يوم القيامة وبعد أن يدخل المسلمون الجنة؛ يكون لحُفَّاظ القرآن مرتبةً أعلى في الجنة، فتعلوا مرتبته وترتفع في الآخرة لحفظه للقرآن؛ كما رفع القرآن مرتبته وعلَّاها في الدنيا وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام (يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً).
طريقة تقسيم القرآن لأجزاء
يتهافت الكثير من الناس على حفظ القرآن الكريم لِما فيه من فضائل؛ ويُحاول الكثيرين حفظ القرآن في أقصر وقتٍ ممكن، فهم يؤمنون بالله تعالى وبكتابه الذي أنزله على رسوله عليه السلام؛ ويودون أن يستغلوا أعمارهم في أمرٍ يُفيدهم في الدنيا والآخرة، وشدَّةِ عجلتهم لخوفهم من أن يُدركهم الموت وهم غير حافظين لِكتاب الله. يمكن حفظ القرآن الكريم في شهرٍ واحد؛ وذلك بتقسيم القرآن إلى أجزاء، فيقوم الشخص بحفظ جزءٍ واحدٍ من القرآن كل يوم. يحتوي القرآن على ثلاثين جزءاً، أي يمكن حفظُه خلال شهرٍ واحد. فهناك خمس صلوات في اليوم والليلة، فلو قمنا بتقسيم الجزء والذي يحتوي على عشرين صفحة على هذه الصلوات؛ لكان نصيب كل صلاة أربعة صفحات، فيُمكن حِفظ أربع صفحات عند كل صلاة. تأخذ قِراءة الصفحة من القرآن الكريم حوالي دقيقتين، اقرأ الصفحة أكثر من مرة؛ ثم قم بحفظ أجزاء منها، مثلاً قسِّم الصفحة إلى أربعة أجزاء؛ واحفظ كل جزء على حده؛ ثم قم بحفظ الصفحة كاملة. وتابع هكذا حتى تُنهي الأربع صفحات المخصصة لتلك الصلاة، داوم على هذا الموضوع يومياً وسينتهي الشهر وأنتَ تحفظ القرآن الكريم. وتذكر أن تداومَ على قراءة ما حفظته خلال صلواتك في اليوم والليلة، واقرأهم في النوافل وفي صلاة قيام الليل.
طريقة الحفظ أوقات الصلاة
طريقة أُخرى لحفظ القرآن الكريم في شهر؛ وهي لا تختلف عن الطريقة السابقة إلا في التوقيت، حيث أنك لن تقم بحفظ الصفحات في أوقات الصلاة، بل استيقظ باكراً؛ وابدأ يومك بقراءة القرآن؛ ثم قم بحفظ عددٍ من الصفحات في كل يوم؛ على ألا يتجاوز مقدار حِفظِك في اليوم الواحد عن جزءٍ واحدٍ فقط. احفظ بعد استيقاظك من النوم، احفظ قبل خروجك إلى العمل، استغل أوقات فراغك في حفظ كِتاب الله. لا تجعل كل وقتك للحفظ، عِشْ حياتك واخرج مع أهلك وأصدِقائك، ولكن عند عودتك أكمل ما بقِيَ لك من الحفظ. في الليل وعندما تقوم الليل؛ اقرأ مما حفظت في يومك أثناء صلاتك، احمل القرآن في يدك حتى إذا نسيت يمكن أن تسترجع ما نسيت.
سيقول البعض بأن مثل هذه الطرق ووسائل ستؤدي إلى حفظٍ مؤقت للقرآن وليس حِفظاً دائماً. هذا الكلام صحيح؛ وخصوصاً أن القرآن سريعاً ما يتفلَّتُ من حافظه. ولهذا نقول بأن حفظ القرآن في شهرٍ أمرٌ ليس بالسهولة التي يظنُّها البعض، ويمكن أن نقول بأن حفظ القرآن كاملاً في شهر واحدٍ فقط هو أمر شبه مستحيل؛ إلا لمن حباه الله سبحانه وتعالى قدرةً عاليةً على الحفظ، ولكن هذه الطريقة وغيرها هدفها هو إدخالُ القرآن الكريم في نفس الإنسان، نعم سيتفلَّتُ منه القرآن في هذا الشهر، بل حتى يمكن ان ينسى ما حفظه قبل يومين، وهذا امرٌ عادي جداً وخصوصاً مع القرآن الكريم، فلا بُدَّ من المداومة على قراءة القرآن باستمرار؛ ومتابعة حفظه يومياً حتى لا يتفلَّت. في الشهر الأول؛ تم إدخال القرآن إلى نفس الحافِظ، والآن نأتي إلى المرحلة الثانية؛ وهي تثبيت هذا الحفظ في نفسه، فيقوم في الشهر التالي على إعادة ما قام به في الشهر السابق ولمدة شهرٍ كاملٍ وبنفس الطريقة، كل يومٍ جزء لمدة ثلاثين يوماً؛ فيكون قد أعاد حِفظ القرآن للمرة الثانية.
سيرى المرء أنه في المرة الثانية لحفظ القرآن؛ قد أصبح الأمر أسهل من المرة الأولى، فالقرآن قد دخلَ إلى نفسه؛ وهو الآن فقط يريدُ أن يُثبِّته فيها، فسيقِلُّ الوقتُ الذي يستغرقُه ليحفظ القرآن في هذا الشهر. ثم يُعيد الكرَّةَ مرة أُخرى في الشهر الثالث، وهكذا لمدة خمس أو ستِّ مرات، سيجدُ الإنسان أثناءها أنه يحفظُ القرآن كاملاً؛ وسيكون مسترسلاً معه أكثر من المرات الأوائل، حيث أنه في السابق لم يكن يسترسل كثيراً أو في بعض الأحيان نهائياً؛ أثناء إعادة قراءته لما حفِظه، ولكن هذا الأمر سنتهي فيما بعد، حيث يكون القرآن قد أصبحَ جزءاً من حياته اليومية، بل وأنه أصبح الجزء الأهم منها، فلا يترك لحظة ولا وقت فراغ؛ إلا ويقوم بقراءة القرآن واسترجاع ما حفظه حتى يتفلتَّ منه.