مقدمة
لا شك أن حفظ القرآن الكريم سنّة عن رسول الله صلى عليه وسلم، وأن لحافظ القرآن الكريم عظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، ولذلك يسعى كثير من المسلمين إلى حفظ القرآن ابتغاء للأجر من الله سبحانه وتعالى وسعيًا لرضاه، ولكن قد يجد الإنسان أنه قد نسي بعض الآيات أو بداياتها أو خواتيمها مع مرور الزمن والتقدم في العمر، وهو أمر طبيعي، فالنسيان صفة ملازمة الإنسان، ومع ذلك فيمكن للإنسان باتباع هذه النصائح أن يحافظ على ما قد حفظه من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى.
الاستعانة بالله
كأي عمل تقوم به فإنك تحتاج عند حفظ القرآن الكريم إلى الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فهو المعين على كل الأمور، وهو الميسر لكل عسير، فتوكل على الله تعالى، واستعن به، واطلب منه أن يشرح صدرك للقرآن الكريم وحفظه، واستعذ دائمًا من الشيطان الرجيم وشره، فالنسيان يكون من الشيطان، واحرص على الدعاء وعلى قراءة الأذكار وعلى أداء الصلوات، وحصّن نفسك دائمًا، وأخلص نيتك لله سبحانه وتعالى، فشر الناس هو من يعمل عملًا رياء أو سمعة، فحفظ القرآن الكريم بالذات يجب أن يكون لطلب رضا الله سبحانه وتوفيقه ورحمته، وليس للمباهاة والمفاخرة وليس للمكافآت والشهادات الدنيوية بل هو لله سبحانه وتعالى فاحتسب الأجر عند الله سبحانه وتوكل عليه في الحفظ وعدم النسيان.
المداومة
فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن كان هذه العمل قليلاً، فقليل دائم خير من كثير منقطع، ولهذا فإن إحدى الطرق ووسائل لحفظ القرآن الكريم وعدم نسيانه هو المداومة على الحفظ والمراجعة ويمكن أن تخصص وقتًا محددًا للحفظ وآخر للمراجعة، ومن المهم هنا أن لا تضغط على أعصابك وترهق نفسك، فبدلًا من أن يكون الوقت المخصص للحفظ 4 ساعات في اليوم مثلاً، يمكنك أن تخففه بجعله ساعتين لمدة أربعة أيام في الأسبوع بحيث يكون هناك متسع لراحة ذاكرتك لكي تعمل بشكل أفضل، ويمكنك تخصيص الأيام الثلاث المتبقية من الأسبوع في مراجعة ما قد حفظته مسبقُا، من المهم أيضًا أن تبدأ بحفظ آيات قليلة ثم التوسع تدريجيًا فالله سبحانه وتعالى تدرج في التشريع رفقًا بالإنسان، فلا بأس إذًا بالبدء بآيتين أو ثلاث آيات في اليوم، تبعًا لطول الآية ومدى صعوبة أو سهولة حفظها، كل ما يهم هنا هو المداومة والاستمرار ولو على شيء بسيط، بهذه الطريقة تبقي ذاكرتك نشطة فلا تنسى ما حفظته بسهولة، ومن الأمور التي قد تساعدك على المداومة وضع جدول تتابع به حفظك وآخر تتابع به المراجعة، واعمل على مكافئة نفسك بين فترة وأخرى وكلما قمت بتحقيق أحد الأهداف بحفظ ما عليك حفظه أو مراجعة ما عليك مراجعته .
المراجعة المستمرة
كما أسلفنا فإن النسيان طبيعة وأمر فطري في الإنسان واحسن وأفضل طريقة لتجنب النسيان هي المراجعة المستمرة، ويمكنك مراجعة ما حفظته يوميًا أو في أيام محددة من الأسبوع، ويمكنك اختيار الطريقة التي تريحك في المراجعة ولكن يفضل عند المراجعة تسميع الآيات التي حفظتها بالترتيب وربطها بما قبلها وبما بعدها، ثم مراجعتها على شكل مقاطع متفرقة، وتأكد عند المراجعة أن تركز على بدايات الآيات وعلى خواتيمها وعلى الآيات المتشابهة بالذات، وحاول ابتكار طرق ووسائل جديدة ومميزة للمراجعة، فالمراجعة المستمرة هي أساس الحفظ الجيد وعدم النسيان، هناك طرق ووسائل أخرى للمراجعة كالاستماع الدائم للآيات التي حفظتها وهذا الأمر سهل جدًا مع تنوع وسائل التكنولوجيا وتوفر القرآن الكريم مسجلًا صوتيًا على الانترنت بأصوات جميع القراء، وهذه الطريقة مثالية في الأوقات التي تضيع دائمًا، فمثلًا يمكنك تشغيل الآيات التي تريد مراجعتها وأنت في السيارة أو أثناء عملك بوضع السماعات في أذنيك أو في المنزل أثناء أداء المهام المنزلية وغيرها.
الاشتراك مع مجموعة
هناك كثير من الأشخاص لا يستطيعون الالتزام بالحفظ إلا إذا كانوا ضمن مجموعة لها قائد أو مسمع، إذا كنت منهم فسارع إلى الانتساب إلى إحدى هذه المجموعات التي تجدها في المساجد وفي دور ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، قد تتيح هذه المراكز التحفيظ والتسميع فقط، وقد يتيح بعضها وقتًا للمراجعة كذلك، فاحرص على أن تنتسب إلى المجموعة التي تناسبك وتذكر أجر من يتذاكرون الله سبحانه وتعالى واستحضر أن الملائكة تحف حلقات الذكر وقراءة القرآن وأنه من يذكر الله سبحانه وتعالى في ملأ فإن الله تعالى يذكره في ملأ خير منه، ولهذه المجموعات فوائد أخرى فهي تعين على التعرف على الصحبة الصالحة التي تكون سببًا لرحمة الله تعالى والفوز برضاه، فلا صحبة اجمل وافضل من تلك التي يجمعها ذكر الله تعالى وقراءة القرآن الكريم وتدارسه.
اختيار المكان والوقت المناسبين
إن الذاكرة تحتاج إلى الظروف المناسبة لتعمل بكفاءة جيدة، فكلما كان المكان هادئًا كلما استطعت التركيز في الحفظ والمراجعة، فتخير الوقت الأنسب الذي تكون فيه نشيطًا ويفضل أن تحفظ القرآن الكريم دائمًا بعد صلاة الفجر وذلك لعدة ما هى اسباب أولها أنك تكون في أول اليوم ولا يكون ذهنك مشغولا أو مرهقًا، وثانيها أن الله سبحانه وتعالى يحب عباده الذين يذكرونه بعد الفجر وحتى طلوع الشمس، فاحرص على أداء صلاة الفجر في وقتها ثم اجلس واحفظ ما تيسر لك أو راجع الآيات التي سبق لك حفظها.
قراءة التفسير
إنّ فهم معاني الآيات التي تحفظها وسبب نزولها يعتبر من أهم الأمور التي تعينك على الحفظ وتسهله كثيرًا، ويمكنك من خلالها ربط الآيات بما يليها وما يسبقها، فيتيسر لك حفظ الآيات وفهمها، لأن حفظ الأشياء التي تفهمها يعتبر أسهل بكثير من حفظ ما لا تفهمه، وهذا ينطبق على حفظ كل شيء وليس مرتبطًا فقط بحفظ القرآن، فحتى عندما يتعلق الأمر بحفظ الأرقام الطويلة مثلًا فإنه يفضل ربط الأرقام ببعضها بقصة لها معنى أو تقسيمها إلى أرقام تتكون من منزلتين وتكون ذات معنى بالنسبة لمن يحفظها، وقد يسر الله تعالى فهم القرآن الكريم، فإن استصعبت آية معينة فابحث عنها في تفاسير القرآن الكريم المختلفة كتفسير ابن كثير مثلًا، ومن المهم أن تقوم بالاستماع للآيات التي ستحفظها من شيخ قارئ قبل حفظها، فبعض الناس يخطئون في قراءة الآيات ويحفظونها بشكل خطأ، ثم يجدون صعوبة في تغيير ما قد حفظوه بعد أن يكتشفوا الصواب، فبإمكانك توفير هذا الجهد على نفسك عن طريق الاستماع للآيات من شخص تثق في علمه وحفظه وتطبيقه للأحكام أو يمكنك ببساطة الاستماع إلى القارئ الذي تفضله عن طريق الانترنت قبل البدء بحفظ الآيات.
سارع إذًا إلى مصحفك الآن وابدأ في الحفظ والمراجعة وضع لنفسك خطة وأهدافًا، واحرص على الاستعانة بالله تعالى وعلى المداومة في الحفظ والمراجعة، وتخير الوقت الأنسب في الحفظ والمكان الاحسن وأفضل من أجل الحصول على تركيز أكبر، وداوم على قراءة تفسير الآيات التي تحفظها ليسهل عليك تذكرها وربطها ببعضها فإن وجدت في نفسك بعضًا من التخاذل وعدم الالتزام فالجأ إلى الصحبة الصالحة التي ترفع من همتك ومعنوياتك وتعاونوا على الحفظ والمراجعة لتنالوا جزيل الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.