القرآن الكريم
يقال أن تصل إلى القمة صعب ولكن الأصعب أن تحافظ عليها، لكن القرآن الكريم من السهل أن تحافظ عليه عزيزي القارئ إن أردت ذلك؛ لأنّ القرآن مرتبط بفطرتك ووجدانك، فقط يمكنك أن تقوم بذلك بعدة طرق وخطوات ستتمكن من خلالها أن تحافظ على هذا الكنز العظيم الذي وفقك الله لأن تناله دوناً عن الكثير من خلقه، فحافظ على هذه الأمانة والنعمة ولا تفرط بها أبداً، ولا تقلق بتاتاً فالأمر أبسط بكثير ممّا تتخيل، وهناك أساليب علميّة تتفق مع خصائص الإنسان وطريقة تفكيره يمكنك اتباعها للنجاح والوصول إلى مبتغاك.
المحافظة على حفظ القرآن
استراتيجية التمرين المتواصل
استخدم استراتيجية التمرين المتواصل، وإن كنت عزيزي القارئ تتعذّر بأنك لا تملك الوقت، فأنت تصلي بالتأكيد ويمكنك قراءة القرآن في صلاتك تباعاً حتى تظل مواكباً لحفظه، قم بالتركيز على نقاط ضعفك التي تعرفها، وأنت تصلي الفروض السرية والسنة وكذلك وأنت تقوم الليل وحدك، وحينما تقرأ القرآن في رمضان وغير رمضان.
يمكنك أن تقرأ ما تيسّر من القرآن قبل صلاة الجمعة وجميع الصلوات في انتظار الإقامة؛ فالتمرين المتواصل يضمن لك بمشيئة الله الحفظ المتواصل للقرآن. عزيزي القارئ عليك أن تعرف أنّ القرآن في الحفظ يختلف عن أي كلام آخر، فالقرآن سريع الهروب من العقل وذلك مصداقاً لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام " والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها"، لذلك فالقرآن يحتاج إلى المتابعة والمثابرة وذلك مصداق لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت". امنح القرآن جزءاً مهماً من وقتك وبشكل ثابت؛ فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وهذا يجعل حفظك أكثر ثباتاً بذهنك والتصاقاً به.
اختيار المكان والوقت المناسبين
حينما تراجع ما تحفظه من القرآن أبعد نفسك عن مصادر الضوضاء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، واختر الأوقات المناسبة للحفظ والمراجعة وأنصحك عزيزي القارئ بساعة الفجر بعد الصلاة إلى طلوع الشمس حتى ينالك الأجر العظيم. ومن المعروف أن هذه الساعة المباركة يكون فيها الجسم متحفّزاً للنشاط على كافة الصعد، والنفسية، والجسدية، والذهنية مما سيسهل عليك الحفظ والمراجعة ويقلل من النسيان.
أنصحك بألّا تفرط بالسهر، فإن السهر يضعف الذاكرة وينهكها، ويؤثر على حفظك للقرآن الكريم. قبل الحفظ والمراجعة لا تفرط في تناول الطعام، لأن الإفراط في الطعام يجعل الدماغ في حالة خمول. يمكنك شغل أوقات فراغك بالاستماع إلى القرآن الكريم فإن ذلك يرسّخه في ذهنك، يمكنك أن تستمع إليه وأنت تقوم بأعمالك وكذلك وأنت ذاهب لعملك بالسيارة أو أثناء وجودك في متجرك.
أشغل حواسك فيما تقوم به
يمكنك اللجوء إلى كتابة ما تحفظ؛ فالكتابة تشغل اليد والعقل والبصر، ومن المعروف علمياً أنه كلما زاد اشتراك الحواس في التعلم كان التعلّم احسن وأفضل وأثبت في العقل على مدى الأيام. اقرأ القرآن بصوتٍ مرتفع كي تسمعه أذنيك فهذا يجعله ألصق بذاكرتك وأكثر ارتباطاً بها.
ساعد غيرك لتدوم هذه النعمة
ساعد غيرك عزيزي القارئ كي يحفظ القرآن، فإن احسن وأفضل طريقة للتعلم هي التعليم، فكلما علّمت الآخرين كيف يحفظون القرآن وساعدتهم على مراجعة ما تعلموه فذلك سيجعلك تحفظه أكثر وبشكل أعمق. علّم ما تعرفه سيلتصق ما علمته بذاكرتك؛ لأنك ستنحته فيها كما تنحت الصخور. هذه مكافأة من يمنح علمه للآخرين.
لا تشقّ على نفسك كثيراً كي لا تصاب بالملل واليأس، وحاول أن تختار الأوقات المحببة إلى نفسك والتي تكون فيها حاضر الذهن كي تكرّسها للقرآن، والزم نفسك إن خرجت الأمور عن السيطرة، فإذا كنت ممّن يصعب عليهم تنظيم الوقت واقتطاع وقتٍ ثابت للقرآن حاول أن تشارك الآخرين أو أن تشارك بمركز تحفيظ للقرآن بموعد مناسب كي تتشجّع أكثر، واقرأ التفسير بتمعّن وفهم، فإنّ فهم معاني الآيات يجعل حفظها أسهل وأسرع ويجعل تذكّرها يسيراً عليك، وهذا صحيح من الناحية العلمية.
نصائح لحفظ القرآن الكريم
- أتقن الحفظ والفهم وإياك والعجلة، واعلم عزيزي القارئ أنّ ما يؤخذ سريعاً يفقد سريعاً؛ لذا كن صبوراً ومثابراً ومتقناً لعملك حتى تنجح في هدفك.
- تعاون مع صديقك أو أحد أفراد عائلتك، حتى يشجع كل منكم الآخر على مراجعة القرآن والتأكد من حفظه ويساعده في التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه.
- ابتعد عن ما يشغل بالك ويشتّت ذهنك؛ ففي الكثير من الأحيان يكون سبب النسيان تدنّي في طاقة العقل بسبب مشكلة ما، قد تكون مشكلة في العمل أو في العائلة أو غير ذلك، فإذا حلت المشكلة ذهب النسيان معها.
- إذا كان الأمر صعباً للغاية يمكنك استشارة متخصّصين في مجال التنمية البشرية فقد يوجّهونك إلى طريقة بسيطة للحفظ تتناسب مع وظائف العقل أو يمكنك اللجوء لمن سبقوك في هذه التجربة ونجحوا فيها كي تنهل من خبراتهم في هذا الجانب.
- استخدم المصحف الذي تحفظ فيه دائماً ولا تغيره أبداً، لأن ذلك يساعدك على إبقاء الصورة الذهنية في عقلك واضحة، وقد تشعر وقتها حينما تحاول استرجاع ما حفظت أنك تنظر إلى صورة الصفحة في دماغك وتقرأ الآيات منها.
- حاول عزيزي القارئ أن تتغنّى بالقرآن بنغمة محببة لنفسك؛ فالتغني بالقرآن ومحاولة إجادة قراءته تدفع عنك الملل وتساعدك على أن تشعر بالخطأ قبل وقوعه لأنه يكسر الوزن الذي اعتدت على سماعه.
- يمكنك أن تكتب بعض الآيات المتشابهة التي تخطئ فيها كثيراً على لوحات كبيرة وتعلقها بغرفتك حتى تحفظها، ويمكن لك أن تتبع هذه الاستراتيجية بأن تجعل لك في كل يوم آيات تستذكرها فتقوم بكتابة ما استصعب عليك ذكره وتعلقها في غرفتك وبالتالي ترسخها في ذهنك مرّة أخرى.
- لا تنتقل من حفظ إلى حفظ حتى تتأكد من ثبات ما سبق وترسخه في ذهنك ووجدانك.
- نظّم حفظك للقرآن ومراجعتك له فإن التنظيم في ذلك يجعل الذاكرة تتلقف القرآن وتحفظه بنظام أيضاً.
- امنح المراجعة وقتاً أكبر من حفظ الجديد، فذلك سيجعل الحفظ أقوى وأكثر فاعلية.
- لا تيأس فإن طلب العلم يرافقه المشقة، واسأل الله عز وجل التوفيق والسداد، وكلما شعرت بأنك ستفشل في مهمتك تذكر ما لحفظ القرآن من فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة وحاول أن تستحضر الصورة الذهنية لهذه الفوائد والجوائز، وتشعر بأنّ طاقتك الإيجابية قد شحنت من جديد، حاول أن تشجع نفسك وأن تمنحها جائزةً مادية حينما تنتهي من مهمتك على أكمل وجه، وأن تخاطب نفسك بشكلٍ إيجابي حتى تعزز قدرتك على النجاح، إن كنت مقتنعاً أنك ستنجح فهذا سيجلب لك النجاح بمشيئة الله.
- عليك بالدعاء أن يوفقك الله ويسدد خطاك وأن يسهّل عليك كل عسير، وحاول أن تتصدّق بنية التوفيق والسداد، وكلما وفقك الله في حفظ شيء على أكمل وجه أخرج شيئاً لله، فبالشكر تدوم النعم.
وفي الختام أذكّرك عزيزي القارئ بأن تحاول ما استطعت أن تلتزم بهذه الطرق وخطوات والاقتراحات علها تكون سبباً في حفظك الطويل الأمد للقرآن عن ظهر قلب وسرعة مراجعته على الدوام، وتذكر أنّ الإرادة الصلبة والعمل الدؤوب المبني على العلم والمعرفة والنظام وقبل كل هذا التوكل على الله حق توكّل سيكفل لك النجاح في أهدافك بشكل عام وحفظ القرآن بشكل خاص.