القرآن
كتاب الله تعالى هو خاتم الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على قلب وعقل نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم – ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، والظلمات هي ظلمات الجهل والتبعية للمخلوقات وعبادتهم من غير الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى ظلمات الأخلاق السيئة والقبيحة التي أحالت حياة الإنسان إلى جحيم أسود شديد السواد، خاصة في ظل من تشهده البشرية اليوم من فرقة وتنازع وتباغض وغير ذلك من الأمور التي فرقت الناس عن بعضهم والتي سودت معيشتهم وأحالتها إلى خراب وقتل ودمار وسفك للدماء بغير وجه حق. أما النور فهو هداية الله تعالى التي رضيها لنا والتي تستقي كيانها من صفات الله تعالى لا إله إلا هو، فهذه الهداية تتضمن في ثناياها هداية الناس إلى الأخلاق الحسنة والراقية بالإضافة إلى أنها تتضمن حفظ كرامة الإنسان لأنه إنسان ومهما كانت أفكاره ومعتقداته وأيديولوجياته وشكله وعرقه ولونه، فالله تعالى وهدايته لنا التي بينها في كتابه الذي أنزل على الرسول محمد، قد ساوى بين جميع البشر على اختلافهم الواضح والجلي والذي لا ينكره أحد إلا من أراد أن يعيش في الظلمات التي تسيطر على عقله، ومن أراد أن يعيش متقوقعاً على نفسه فقط، فاختلاف الناس بعضهم عن بعض هو من سنة الله تعالى في الكون، والله تعالى يريد من الناس أن يكونوا مختلفين، ولو أراد عكس ذلك لهداهم جميعاً إلى الطريق القويم فهداية الناس بيده وليست بيد أي إنسان آخر، كما أن حفظ الدين وحفظ كتابه بيده وليس بيد أي شخص آخر أيضاً، فنحن لسنا حراس الدين ولسنا حراس الكتاب، إلا إن أردنا أن نلعب دوراً ليس دورنا وهو دور لا يناسب البشر نهائياً.
كيف نتعامل مع كتاب الله
كتاب الله تعالى هو من الله، وهو كتاب لا يجوز التلاعب فيه نهائياً، والصفات التي تنطبق على الكون وعلى كافة مخلوقات الله تعالى تنبق على القرآن، فالكون قائم على نظام عجيب وغريب من الدقة والإبداع، فلو أن عنصراً ما اختل في هذا الكون لأحدث ذلك تغييراً كبيراً، فكل شيء خلق بقدر وتناسق وتناغم عز نظيره، وبما أن الكتاب هو من عند الله تعالى، فالأحرى أن يكون هو أيضاً فيه هذا الكم الكبير من التناغم والتناسق والانضباط والدقة التي لا تضاهيها دقة في اى كتاب آخر، فهو كتاب خالٍ من التناقض أو من الزيادة التي لا داعي لها ( الحشو ) أو من أي شيء آخر قد ينطبق على الكتب الأخرى، فما ينطبق على هذه الكتب لا ينطبق بالضرورة على كتاب الله تعالى، بهذا ومن هنا فالدلالة اللغوية يجب أن تسخر وبشكل كبير وعلمي ومنهجي لتوضيح مراد الله تعالى من الآيات الكريمات، كما ويتوجب أن لا يكون هناك أي ترادف في المعنى بين الكلمات وعبارات المختلفات، فالكلمتان اللتان تؤديان المعنى نفسه في الحياة اليومية أو في الكتب الأخرى لا يتوجب أن ننظر إليهما على أنهما متطابقتين في كتاب الله، فلا وجود للتطابق نهائياً فيه، وكل كلمة لها معناها الخاص الذي تؤديه حتى لو تشابهت مع كلمة أخرى أو اقتربت من كلمة أخرى في المعنى إلا أنه يبقى لهذه الكلمة كيانها ومعناها الخاص.
التعامل مع كتاب الله على أنه ما نزل إلا ليبهر كفار قريش ببلاغته ودقة ألفاظه وجمالها لأنهم كانوا متفوقين شعرياً، فهذا أيضاً أمر خاطئ، فالشعر يعني أموراً كثيرة ليس من الممكن لها أن تنطبق على كتاب مطلق ككتاب الله – عز وجل -، كالترادف كما قلنا، بالإضافة إلى عدم الاهتمام الكبير بالمعنى في مقابل اهتمام الشاعر الكبير بموسيقى البيت الشعري وتناغمه. فالكتاب وإن نزل كان أحد أبرز أهدافه هو إعجاز الشعراء إلا أن التعامل معه لا يجوز أن يكون بعقلية الشعراء، بل يتوجب أن يكون مختلفاً عن ذلك وبشكل كبير، فالفرق بين الشعر والكتاب هو كالفرق ما بين السماء والأرض.
كيف نحافظ على قراءة كتاب الله
بالاقتناع الكامل بأنّ كتاب الله فيه من العلم والخير لنا في كل أمور حياتنا، فكما قلنا سابقاً، كتاب الله ليس كتاباً عادياً بسيطاً يمكن أن يتعامل الإنسان معه بهذه السذاجة التي لا يقبلها عقل ولا منطق، فكتاب الله وبكل ما فيه، آياته وكلماته والحركات التي تعلو حروفه كله محكم و مضبوط ضبطاً دقيقاً لا يعادله شيء، وهذا الأمر هو من أول الأمور التي تساعد الإنسان على أن يتمعن في كتاب الله تعالى وأن يحافظ عليه، ومن أهم ما يدعونا ويدفعنا على قراءة القرآن والتمعّن به ما يحويه على ما يلي:
الإعجاز اللغوي
لكل من يحب استكشاف الجديد والالبحث عن المعاني الجميلة والمفيدة والتي تتواجد في كتاب الله بأبهى صورها واجمل وافضل حللها، فالتعامل مع الكتاب بطريقة أن لكل نقطة فيه معنى جديد تضيفه، يجعل الإنسان تواقاً شغوفاً باكتشاف هذا الجديد والوصول إليه مما يحمسه على الوصول إلى هذه المعاني الجديدة. وكتاب الله منزلٌ لكل البشر وليس لفئة محددة دون غيرها من الناس، وهذا الأمر يجعل القرآن قابلاً لأن يقرأ ويفهم من قبل كل الناس وكل من سعى إلى اكتشاف الجديد، فقط بمجرد امتلاكه لقواعد اللغة العربية وخاصة الدلالة، فهذا الأمر يساعد وبشكل كبير على فهم هذا الكتاب الخاتم المعجز وتدبره.
القصص القرآني
من الأمور أيضاً التي تشجع الإنسان على أن يصل إلى مرحلة لا يستطيع بعدها أن يبتعد عن كتاب الله، هي القصص القرآني والأخبار التي حواها الكتاب في مواضع كثيرة منه عن الأمم السابقة، وعن السنن الكونية التي وضعها الله تعالى على الأرض، فهذه الأمور هي مما يساعد وبشكل كبير جداً على أن يتفكر في خلق الله تعالى وفي قدرته وفي ملكوته وعظمته لا إله إلا هو، خاصة إن استعنّا للقيام بهذا الأمر بعلم الدلالة اللغوية، عندها سنجد العجب أيضاً.
خطاب القرآن للعقل البشري
ومما يساعد الإنسان على ذلك هو أن الكتاب هو كلام الله تعالى الذي وجهه للإنسان أياً كان، وهذا نابع من اعتقادنا نحن الملمين أتباع الرسالة المحمدية بأن الله تعالى ما أنزل الكتاب وما بعث رسوله ونبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - إلا رحمة وهداية للعالمين وللناس كافة، وبمجرد اقتناع الإنسان بهذه الحقيقة سيعمل عندئذ أن الكتاب يخاطبه هو شخصياً وبالتالي سيعلم عندها أن الكتاب هو رسالة من الله تعالى إليه شخصياً وأن ما بين يديه هو كلام نازل من السماء وليس للأرض أية علاقة به لا من قريب ولا من بعيد وهذا مما يزيد من عظمة الكتاب في قلوبنا وقلوب الناس جميعاً.
أيضاً يستطيع الإنسان أن يحافظ على استمرار قراءة كتاب الله عز وجل عندما يعي تماماً أن الكتاب فيه خيره وخير الناس جميعاً وذلك بسبب المنظومة الأخلاقية التي اشتمل هذا الكتاب عليها والتي صاغها بأسلوب يقرب الأنسان جبراً لا طوعاً من الأخلاق، فالإنسان عندما يقرأ آيات الكتاب العالمية والأخلاقية لن يملك أي خيار إلا أن يوحد الله تعالى ويستقم على المنهج الذي خطه الله تعالى للإنسان.
لقد كان لكتاب الله تعالى سحره الخاص وجماله الأخاذ الذي لا يضاهيه أي جمال، وهو كتاب سهل لمن أراد، فمن همّ بقراءة هذا الكتاب العظيم، لم ولن يخيّبه الله تعالى ويعيده خائباً خالي اليدين، بل سيفتح الله تعالى عليه من رحمته ومن رضوانه ومن بركاته ومن معينه الذي لا ينضب من الحب والخير والحنان والسلام والطمأنينة.