بيّن الله تعالى في كتابة الكريم في سورة البيّنة صفات خير البريّة في معرض المقارنة مع من هم شرّ البريّة الذي كفروا بالله من المشركين وأهل الكتاب، وقد حدّد الله تعالى الصّفات التي تجعل الإنسان يدخل في ركن خير البريّة، وهذه الصّفتان هم الإيمان والعمل الصّالح، قال تعالى ( إن الذين آمنو وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة )، كما وردت آياتٌ أخرى في كتاب الله تعالى تؤكّد على معاني الإيمان والعمل الصّالح وأنّها طريق المسلم إلى جنّة ربّه ورضوانه، منها قوله تعالى ( إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون )، ويُفهم من تلك الآيات الكريمة أنّ الإيمان بالله تعالى يقع في بداية الأمر، والإيمان هو التّصديق برسالة الإسلام والتّسليم لها، ومحل الإيمان القلب كما أشار إلى ذلك النّبي عليه الصّلاة والسّلام حينما أشار إلى صدره قائلاً الإيمان ههنا، ثمّ يأتي بعد الإيمان القلبيّ بالله تعالى استقامة الجوارح على دين الله تعالى ومنهجه القويم، فيحفظ الإنسان لسانه وجوارحه من ارتكاب المنكرات، كما يسعى لالتزام أوامر الله تعالى فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون في تعامله مع الخلق صادقًا متواضعًا بعيدًا عن الكِبر، متسامحًا يعفو عمّن أساء إليه، لا يأكل أموال النّاس بالباطل، وتراه يحفظ لسانه عن آفاته من غيبةٍ ونميمة وغير ذلك، وبالتزام الأعمال الصّالحة واجتناب ما حرّم الله تعالى يدخل المسلم في جملة من سمّاهم خير البريّة وهم احسن وأفضل الخلق عند الله تعالى.
وقد استند عددٌ من العلماء على هذه الآية الكريمة في تفضيل البشر المؤمنين على غيرهم من المخلوقات التي خلقها الله تعالى ومن بينها الملائكة، ذلك بأنّ الملائكة خلقها الله تعالى للتّسبيح والتّقديس وفعل كلّ أمرٍ يطلبه الله تعالى منها دون عصيان أو مخالفة، بينما البشر وبما أوجد الله فيهم من شهوات ونوازع نفس معرّضون للابتلاء والامتحان، ممّأ يجعلهم احسن وأفضل الخلق إذا استقاموا على دين الله تعالى وصراطه المستقيم.
وقد ذكر الإمام الطّبري شيخ المفسرين في تفسيره لهذه الآية حديثًا مرسل إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام بعد نزول تلك الآيات يشير فيها إلى الإمام علي ابن أبي طالب ويقول له (أنّت يا علي وشيعتك خير البريّة)، والحقيقة أنّ العلماء قد وصفوا بعض روات هذا الحديث بالضعف، وهذا لا يعني أنّ الإمام علي ابن أبي طالب ومن ناصره ضد البغي ليسوا من خير البريّة بل هم بلا شكّ احسن وأفضل الخلق وقتئذ، ولكنّ الشّيعة المتأخّرين وخاصّةً في عصرنا الحاضر لا ينطبق عليهم صفة خير البريّة لما أحدثوه من ضلالات وبدعٍ كثيرة.