وهي قصيده لشرف الدين الويصري صاحب قصيدة البردة ويقول :
كَيْفَ تَرْقَي رُقيّكَ الأَنْبياءُ يا سَمَاءً مَا طَاوَلَتْها سَمَاءُ
لَمْ يُسَاوُوكَ في عُلاَكَ وَ قَدْ حَالَ سَنًي منْكَ دُونَهُمْ وَ سَنَاءُ
أنَّمَا مَثّلُوا صفَاتكَ للنّاس كَمَا مَثَّلَ النُّجومَ المَاءُ
أنْتَ مصْبَاحُ كُلّ فَضْل فَمَا تَصْدُرُ الا عَنْ ضَوْئكَ الأَضْوَاءُ
لَكَ ذَاتُ العُلُوم منْ عَالم الغَيْب وَمنْهَا لآدَمَ الأَسْمَاءُ
لَمْ تَزَلْ في ضَمَائر الكَوْن تُخْتَارُ لَكَ الأُمّهاتُ و الأَبَاءُ
مَا مَضَتْ فَتْرَةٌ منَ الرُّسْل ألاَّ بَشَّرَتْ قَوْمَهَا بكَ الأَنْبياءُ
تَتَبَاهي بكَ العُصُورُ وَ تَسْمُو بكَ عَلْياءُ بَعْدَهَا عَلْياءُ
وَبَدَا للوُجُود منْكَ كَريمُ منْ كَريم أبَاؤُهُ كُرَمَاءُ
نَسَبٌ تَحْسَبُ العُلاَ بحلاهُ قَلَّدَتْهَا نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
حَبّذَا عقْدُ سُؤْدَد وَ فَخَار أَنْتَ فيه اليَتيمةُ العَصْماءُ
و مُحَيًّا كالشَّمْس منْكَ مُضيءُ أسْفَرَتْ عَنْهُ لَيْلَةٌ غَرّاءُ
لَيْلةُ المَوْلد الذي كانَ للدّين سُرُورٌ بيَوْمه وازْدهاءُ
وَتَوَالَتْ بُشْرَي الهَواتف أَنْ قَدْ وُلدَ المُصْطَفَي وَ حَقَّ الهَنَاءُ
وَ تَدَاعَي أيوانُ كسْرَي وَ لَوْلاَ أيَةٌ منْكَ مَا تَدَاعَي البناءُ
وغَدَا كُلُّ بَيْت نَار وفيه كُرْبَةٌ منْ خُمُودهَا وَ بَلاءُ
وَ عُيونٌ للفُرْس غَارَتْ فَهَلْ كانَ لنَيْرَانهمْ بهَا إطْفَاءُ
مَوْلدٌ كانَ منْهُ في طَالع الكُفْر وَبَالٌ عَلَيْه وَ وَ وَبَاءُ
فَهَنيئًا به لآمنَةَ الفَضْلُ الذي شُرّفَتْ به حَوّاءُ
مَنْ لحَوّاءَ أنّها حَمَلَتْ أحْمَدَ أَوْ أَنّها به نُفَسَاءُ
يَوْمَ نَالَتْ بوَضْعه ابْنَةُ وَهْب منْ فَخَار مَا لَمْ تَنَلْهُ النّسَاءُ
وأتَتْ قَوْمَهَا بأفْضَل ممّا حَمَلَتْ قَبْلُ مَرْيَمُ العَذْراءُ
شَمَّتتهُ الأمْلاَكُ اذْ وضَعَتْهُ وَشَفَتْنا بقوْلهَا الشَّفّاءُ
رَافعًا رَأْسَهُ وَ في ذَلكَ الرَّفْع ألي كُلّ سُؤْدَد إيمَاءُ
رَامقًا طَرْفُهُ السّمَاءَ و مَرْمَي عَيْن منْ شأْنُهُ العُلُوٌّ العَلاءُ
وَ تَدَلَّتْ زُهْرُ النّجوم إليْه فَأضَاءَتْ بضَوْئهَا الأرْجَاءُ
وَتَراءَتْ قُصُورُ قَيْصَرَ بالرّوم يرَاهَا مَنْ دَارُهُ البَطْحَاءُ
وَبَدَتْ في رضاعه مُعْجزَاتٌ لَيسَ فيها عَن العُيون خَفَاءُ
أذْ أبَتْهُ ليُتْمه مُرْضعَاتٌ قُلْنَ مَا في اليُتْمَ عَنّاَ غَنَاءُ
فَأَتَتْهُ منْ آل سَعْد فتَاةُ قَدْ أبَتْها لفَقْرهَا الرُّضَعَاءُ
أرْضَعَتْهُ لبَانَها فَسَقَتْهَا وَ بَنيهَا ألْبَانَهُنَّ الشَّاءُ
أصْبَحَتْ شُوّلاً عجَافًا و أَمْسَتْ مَا بهَا شَائلٌ وَ لاَ عَجْفَاءُ
أخْصَبَ العَيْشُ عنْدَهَا بَعْدَ مَحْل إذ غَدَا للنَّبيُّ منْهَا غذاءُ
يَا لَهَا منّةٌ لَقَدْ ضُوعفَ الأجْرُ عَلَيهَا منْ جنْسهَا و الجَزَاءُ
وإذا سَخّرَ الإلهُ أُنَاسًا لسَعيد فأنّهُمْ سُعَدَاءُ
حَبَّةٌ أنْبَتَتْ سَنابلَ والعَصْفُ لَدَيْه يسْتَشْرفُ الضُّعَفاءُ
وَ أتَتْ جَدَّهُ وَ قَدْ فَصَلَتْهُ وَهَا منْ فصاله البُرَحَاءُ
إذْ أَحَاطَتْ به مَلائكَةُ اللّه فَظَنَّتْ بأنّهُمْ ُقُرَنَاءُ
وَرَأي وَجْدَهَا به وَمنَ الوَجْد لَهيبٌ تَصْلَي به الأَحْشَاءُ
فَارَقَتْهُ كُرْهًا وَكَانَ لَدَيْها ثَاويًا لا يُمَلُّ منْهُ الثَوَاءُ
شُقَّ عَنْ قَلْبه وَ أُخْرجَ منْهُ مُضْغَةٌ عنْدَ غَسْله سَوْدَاءُ
خَتَمَتْهُ يُمْنَي الأَمين وَقَدْ أودعَ مَا لَمْ تُذَعْ لَهُ أنْباءُ
صانَ أسْرَارَهُ الختَامُ فَلا الفَضْضُ مُلمُّ به ولا الافضَاءُ
األفَ النُّسْكَ و العبَادَةَ و الخُلْوَةَ طفْلاً وَ هَكَذَا النُّجَباءُ
وإذا حلّت الهدايةُ قَلْبًا نَشطَتْ في العبَادَة الأَعْضَاءُ
بَعَثَ اللّهُ عنْدَ مَبْعَثه الشُهْبَ حرَاسًا وَ ذاقَ عَنْهَا الفَضَاءُ
تَطْرُدُ الجنَّ عَنْ مَقَاعدَ للسَّمْع كَمَا تَطْرُدُ الذّئابَ الرعَاءُ
فَمَحَتْ أياتُ الكَهَانَة أياتٌ منَ الوَحْي مَا لَهُنَّ انْمحَاءُ
وَرأَتْهُ خَديجَةُ و التُّقَي وَ الزَّهْدُ فيه سَجيَّةٌ وَ الحَيَاءُ
وَ أتَاهَا أنَّ الغَمَامةَ وَالسَّرْحَ أَظَلَّتْهُ منْهُمَا أَفْياءُ
وَ أَحَاديثُ أنَّ وَعْدَ رَسُول الله بالبَعْث حَانَ منْهُ الوفَاءُ
فَدَعَتْهُ إلي الزَّواج وَ مَا أَ حْسَنَ مَا يَبْلُغُ المُنَي الأذْكياءُ
وَأَتاهُ في بَيْتها جبْرئيلُ وَلذي اللّبّ في الأُمُورارْتياءُ
فَأمَاطتْ عَنْهَا الخمَارَ لتَدْري أَهُوَ الوَحْيُ أمْ هُوَ الإغْمَاءُ
فاخْتَفَي عنْدَ كَشْفهَا الرّأسَ جبريلُ فَمَا عَادَ أوْ أُعيدَ الغطاءُ
فاسْتَبَانَتْ خَدجَةٌ أنّهُ الكَنْزُ الذي حَاوَلَتْهُ وَ الكيمْياءُ
ثُمَّ قَامَ النَّبيُّ يَدْعُو الي الله وَ في الكُفْر نَجْدةٌ و إبَاءُ
أُمَمًا أُشْربَتْ قُلُوبُهُمُ الكُفْرَ فَدَاءُ الضَّلال فيهمْ عيَاءُ
وَرَأَيْنَا أياته فَاهْتَدَيْنَا وَإذا الحَقُّ جَاءَ زَالَ المرَاءُ
رَبّ أنَّ الهُدَي هُدَاكَ وَأياتكَ نُورٌ تَهْدي بها مَنْتَشَاء