ما أضعف الإنسان، وما أعجز الإنسان أمام كون فسيح، ما أصغره أمام خلق الله إنّه لا يساوي قيد أنملة على هذا الكون، من فضاء وأرض وأجرام وكائنات أُخر، وقد ذكر الله بكتابه العزيز الإنسان بضعفه وأوجزه في ثلاثة كلمات وعبارات حين قال: "وخلق الإنسان ضعيفًا" فأبان جوهره وعكفت الدراسات العلمية منذ قرون على اكتشاف هذا الضعف وتبينه كل يوم باكتشاف جديد ليثبت أنّ كلام الله معجزة.
فالإنسان ظاهره بساطة ووضوح يراها غيره وجوهره تعقيد وغموض، فلا زال العلم قاصرًا وعاجزًا عن رصد الجانب الشعوري والعاطفي والروحي وربطه مع وظائف الأعضاء ودراسة دماغ الانسان وتشريحه بعيدًا عن علم الاصابات والأمراض، فلا عالم أتى بمكونات الدماغ وتفاعلاتها مع بعضها البعض أو معرفة السوائل التي تسير بجسم الأنسان، أو التفكر والتدبر في أعضاء الإنسان الداخلية وكوامنها، فكثير من أمراض السرطان لا زالت مجهولة السبب ولا أحد يعلم حتّى اليوم تعرف ما هو سبب الإصابة بأمراض السرطان على اختلاف تسمياتها، أو أشكالها، أو أنواعها، أو أعراضها.
وإنّ أضعف ما يجده الإنسان في نفسه هو عجزه عن توقيف تفكيره ومشاعره من أن تسيطر عليه، فلا يتغلب على مخاوفه وقلقه والضغوط التي تطرأ عليه إلّا بعد فترة زمنية طويلة، وهذا عكس ما يريده من سيطرة على الأرض وتملك فكيف به يسيطر على شيء ما مادي وهو ليس بوسعه أن يسيطر على مشاعره وعقله وتفكيره ..
ومن مظاهر عجز الإنسان عدم تمكنّه من التنبؤ أو الرسم المستقبلي لما سيحدث، فيشعر بأنّه قاصر وعاجز وهو أيضًا لا يستطيع أن يتبصّر الأمور على حقيقتها، فيرى المشاكل وعيوب والحوادث من زاوية معينة وهو ذا رأي معين وقلّما يتفق برأيه من آخرين؛ ممّا يشكل رؤية غير موحدة لدى أطياف الناس؛ لأنّ الإنسان نفسه ليس قادر على الرؤية الواحدة.
والإنسان على قدر ما يملك من إمكانات وقدرات تمكنه من مواصلة حياته اليومية، لكنّه عاجز عن دفع الضرر عن نفسه، فعلى سبيل المثال، من هو القادر على أن يمنع فيروس الانفلونزا من إصابته، بالرغم من أنّ هذا المرض البسيط الذي ترافقه حمى تصيب الإنسان لأيامًا معدودة، تشعره كأنّه سيموت على الحال، ويرى ضعفه الكامل ونقصه وعجزه في أيّام معدودة من مرض ما.
وهو أيضًا لا يستطيع تقييم الواقع والأحداث الجارية إلّا بعد مرورها، لأنّ عقله لا يستطيع استيعاب ما يجري إلّا وفق ما اختزن في مخزونه المعرفي من رؤى ومبادئ وقيم تسيره وتتحكم فيه، وهو كذلك محكوم لا حاكم وعاجز وناقص وضعيف، وفي ذلك حكمة للإنسان الّا يتجبر على الأرض، وأنّ الله قد استخلفه فيها لإعمارها وإحسانها، وعليه ألّا يتعالى، ويتكبر، ويتجبر، ويظلم، ويفسد في الأرض؛ لأنّه ضعيف بأمر الله وإن استقوى على خلق الله فالله قادر وهو ضعيف ليس بقادر.