في كلّ مجالٍ من مجالات العلوم ترى من علماء المسلمين من تميّز فيها وبرع، ومن بين هذه العلوم علم النّحو الذي يرجع الفضل فيه إلى أبو الأسود الدؤلي وهو أحد سادات التّابعين الذين آمنوا بالإسلام ولكنّه لم يعتبر من الصّحابة بسبب أنّه لم ير النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعتبر أبو الأسود الدؤلي كذلك من المخضرمين الذين عاصروا عهدًا من الجاهليّة والإسلام، وقد كان أبو الأسود الدؤلي شديد الفطنة ذكيًّا، كما كان يشتهر بالحكمة والبلاغة، وقد قرأ القرآن الكريم على عددٍ من الصّحابة الكرام منهم عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، كما روى عددًا من الأحاديث الشّريفة التّي سمعها من عددٍ من الصّحابة، وقد تولّى عددًا من المناصب في البصرة في عهد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وكذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد تجلّت قمة عطاء أبي الأسود الدؤلي في عهد الإمام علي بن أبي طالب، فقد كان واليه على البصرة وأحد تلامذته النجباء.
ومن الأمور التي دعت أبو الأسود الدّؤلي إلى وضع علم النّحو ما ظهر من بعض النّاس من لحنٍ في الكلام وبعد عن اللّغة العربيّة الفصحى، والسّبب في ذلك يعود إلى دخول عددٍ كبير من الأعاجم في دين الإسلام واختلاطهم مع العرب، وبالتّالي امتزجت اللغات المختلفة مع العربيّة لتشكّل لكنةً جديدة فيها كثيرٌ من الأخطاء الإملائيّة واللّحن، ويروى عن أبي الأسود الدؤلي أنّه كان يسمع أحيانًا من النّاس لغةً غريبة فيسوؤه ذلك، فقد سمع يومًا ابنته تقول ما أجملُ السّماء، فقال لها، نجومها، فقالت له إنّي لم أرد معرفة اجمل وافضل ما في السّماء ولكن أقول ذلك للتّعجب، فقال لها قولي ما اجمل وافضل السّماء بفتح اللّام، وقيل أنّه دخل مرّةً على زياد ابن أبيه وحدّثة بهذا العلم فأعرض عنه حتّى دخل على زياد رجلٌ فقال يا أيّها الأمير إن توفي أبانا وترك بنون، فنادى أبو الأسود الدّؤلي ليقول له اكتب العلم الذي نهيتك عنه، وقد نسب أبو الأسود الدؤلي علم النّحو إلى الإمام علي حيث اعتبره معلمًا له في ذلك ومرشد، وعندما رأى الإمام علي ما كتبه أبو الأسود الدؤلي قال له ما أحسن هذا المنحى الذي نحيته فسمي لذلك علم النّحو بهذا الإسم، وقد اشتمل هذا العلم على طريقة كتابة الحروف وفق مكانها في الجملة وتصنيف الجمل ووضع النّقاط على الحروف.