يزخر الوطن العربي بالكثير من المواقع والأماكن الأثرية التي خلدتها الحضارات الإنسانية السالفة، والتي تدل على فنهم البديع وقدرتهم الكبيرة على بناء تلك المواقع العظيمة، ومن أشهر المواقع الأثرية: مدينة البتراء في الأردن والتي خلدها الأنباط، والأهرامات التي خلدتها الحضارة الفرعونية في مصر، وحدائق بابل المعلّقة في مدينة بابل في العراق والتي خلدها البابليّون، وهناك أيضاً الكثير من المواقع التي شُيّدت في العهد الإسلامي والباقية إلى أيامنا هذه لتدل على عظمة وبديع الفن الإسلامي، ومن أشهر المواقع الأثرية الإسلامية في الوطن العربي هي صومعة حسان.
صومعة حسان تعتبر من أشهر وأبرز المعالم التاريخية الإسلامية في الوطن العربي، والتي تعكس روعة وجمال الفن العربي الإسلامي الأصيل، تم تشييدها في المغرب العربي وتحديداً في مدينة الرباط، وقد أصبحت صومعة حسان من أكثر الأماكن في المغرب جذباً للسياح لروعتها وخصوصيتها التاريخية والحضارية المهمة.
وشُيدت صومعة حسان في عصر دولة الموحدين، وبالتحديد في عهد السلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، والذي كان عهده يسمى بالعهد الذهبي لإنجازاته العظيمة في الدولة الموحدية ولعظم إمبراطوريته التي كانت تمتد حدودها من أراضي تونس إلى إسبانيا وذلك في القرن الثاني عشر.
وتعتبر صومعة حسان جزءاً من مسجد حسان الذي يعد من أفخم وأكبر المساجد في العالم العربي والإسلامي، ويقع مسجد حسان على أراضٍ منحدرة ترتفع عن البحر بما يقارب الثلاثين متراً في شمال شرق مدينة الرباط، وتمت تسمية المسجد باسم مسجد حسان نسبةً إلى قبيلة تدعى "بنو الحسان" والذين كانوا يقطنون إقليم الرباط في ذلك الوقت، وصومعة حسان من أعظم الصومعات التي تدل على عظمة وفخامة المسجد، كما أنها تعد الشقيقة الثالثة لكل من صومعة الكتيبة بمراكش، وصومعة الخيرالدا في في إشبيلية.
وقد تم تشييد الصومعة بأمر من السلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، وذلك بسبب رغبة الموحدين في جعلهم مدينة الرباط مدينة كبيرة من أفخم المدن ولكي تنافس مدينتي فاس ومراكش، ولتكون أكثر أهمية وفائدة منهما.
وتتّخذ صومعة حسان الشكل المربع، ويصل ارتفاعها إلى ما يقارب أربعة و أربعين متر، كما يبلغ عرض جدار الصومعة ما يقارب المترين ونصف، والذي من شأنه الحفاظ على توازنها، ولها سور يبلغ عرضه المتر ونصف، وارتفاعه تسعة أمتار، وتم استخدام مواد شديدة المتانة في تشييدها، مثل : الحجر الرملي، الآجر، الحجر المنحوت، والجص، وهذه المتانة هي سبب تحملها لمياه البحر، كما أنّ متانتها حفظتها من الاندثار على أثر الزلزال الذي ضرب المنطقة في عام 1755 .