تمتلك دول العالم العربي تاريخاً متأصّلاً كتب عنه الكثيرون، ومن هذه الدول أرض الشام والعراق ومصر، فكثير من الحضارات والأمم تعاقبت على هذهِ الأرض وتركت موروثاً لا تزال شواهده ماثلةً أمامنا لتعكس كم من الزمن السحيق الذي مرَّ على هذهِ البلاد، وكم من الدول والحضارات حلّت ضيفةً على بلادنا. ومن أكثر دول المنطقة العربيّة التي شهدت تعاقباً للحضارات على أرضها هي أرض مصر، واسم مصر اسمٌ قديم، وقد وَرَد ذكرهُا في القرآن الكريم في أكثر من موضع وذلك في معرض الحديث عن قصّة يوسف عليه السلام حين كان في أرض مصر.
وأرض مصر تُطلق عليها أرض الكنانة، وكان هذا الاسم قد أُضيفَ إليها في عهد الفاتح عمرو بن العاص رضيَ الله عنه، الذي فَتَح الله على يديه أرض مصر في زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ويزعم البعض أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم كنّاها بأرض الكنانة في حديثٍ لا أصل له بأنَّ مصر كِنانة الله في أرضه وهذا مما لا يصحّ نسبتهُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
معاني الكنانة
وكلمة الكنانة لها العديد من المعاني في اللغة العربيّة ونذكر معانيها تالياً كما جاءت في لِسان العرب لابن منظور:
- جُعبة السهام تتُخذ من جلود، لا خشب فيها، أو من خشب لا جُلودَ فيها.
- النّبل إذا كانت من أدَم، فإن كانت من خشب فهوَ جفير.
- إنَّ المقصود بالكنانة هي أرض الماء والبحر، وكلمة كنانة تعني الماء.
ومن هذهِ المعاني جميعها نستدلّ على أنَّ أرض مصر هيَ أرض الرجال الّذين يُقاتلون بسهامهم وببأسهم الشديد؛ فأرضهم هي أرض النبال والسّهام التي تدلّ على القوّة والمَنَعة، وتدلّ على البأس والقوّة، ولا غرابة في ذلك؛ فقد قال عنهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّ أهل مصر وجندها هم خير الأجناد، وأيضاً أرض مصر هي أرض الماء الوفير، ولا غرابة من ذلك، وفيها النيل، الذي يُعدّ أطول نهر على وجه الأرض، وفي أرض مصر البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط، ولكن النيل الذي يشقّ أراضيها ويرويه هو دليل الخصب والنماء في أرض مصر.
وقد تعاقب عددٌ من الأنبياء على هذهِ الأرض، ومنهم سيّدنا يوسف عليه السلام ابن النبيّ يعقوب عليه السلام؛ حيث سكَن أرض مصر وكان وزيراً فيها على الخزائن، وقد أنقذ الله أرض مصر بنبيّه يوسف عليه السلام حينَ حماهم من سنين المجاعة التي مرّوا بها، ومن الأنبياء أيضاً سيّدنا موسى عليه السلام الذي أُرسل إلى أحد حكّام فراعنة مصر، وكانَت دعوتهُ دعوةً إلى توحيد الله وترك ما يعبدون من دونه، فما كانَ جزاء الذين كذّبوا بهِ من فرعون وجنوده إلاّ أن أغرقهم الله وكانوا عبرةً لمن خلفهم.