حين تتحدث عن مصر وحاضرتها يجب أن لا تغفل عن أحد أهمّ المعالم الحضاريّة والأعمدة الاقتصادية فيها وهي قناة السويس، فهذا المشروع الكبير قد كان في وقت من الأوقات حلماً صعب المنال، وتعود بدايات المشروع الحقيقية حين اكتشف الرحالة فاسكو دي جاما طريق رأس الرجاء الصالح والذي مكّن بريطانيا من اكتشاف طريق يصل أوروبا بآسيا وبالتالي زيادة نفوذها في منطقة آسيا، وعندما استعمرت بريطانيا الهند وأصبحت من مملكتها، زاد ذلك من نفوذها وسيطرتها على هذا الطريق البحري، ففكرت فرنسا وكانت من الدول القوية حينئذ في اكتشاف طريق آخر يضاهي في أهميته طريق رأس الرجاء الصالح، وعندما دخل نابليون بونابارت إلى مصر عام 1799 فكّر كثيراً في هذه المسألة ولقد كلف من أجل ذلك أحد المهندسيين الفرنسيين ويدعى لوبييز بترأس لجنة تقوم بإعداد دراسة عن إمكانية بناء قناة مائية تصل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وقد انتهت هذه الدراسه إلى عدم جدوى بناء هذه القناة بسبب أنّ مستوى البحر الأحمر هو أعلى من مستوى البحر المتوسط، كما خشي المهندسون من تأثيرات الطمى الناتج من نهر النيل والذي قد يسبب إغلاق مجرى القناة في يوم من الأيام.
وقد عادت فكرة بناء قناة مائية بعد ذلك في عهد محمد علي وأبنائه من بعده، وقد تصدى قنصل فرنسا في مصر مسيو ميمو ونائبه مسيو فردناند دي لسبس لمهمة إعداد دراسة حقيقة وواقعية لمشروع بناء قناة مائية بين البحرين الأحمر والمتوسط، وقد تكلّلت جهودها في النجاح في إعداد تصور واضح لمشروع القناة، وقد شرعوا فعليا في بناء قناة السويس عام 1859 ميلادي وقد وقعوا عقدا مع الحكومة المصرية آنذاك يكون لهم فيه حق الامتياز في مشروع القناة لمدّة تصل لما يقارب 100 سنة، وقد شارك مئات الألاف من المصريين في مشروع قناة السويس الضخم، وامتد المشروع لما يقارب 10 سنين فقد المصريين فيها عشرات الالاف من الضحايا الذين ماتوا بسبب صعوبة الحفر بالقناة وبسبب انتشار الأمراض والأوبئة بينهم، ويبلغ طول قناة السويس ما يقارب 162 كيلو متر وتصل بين مدينة بورسعيد على البحر المتوسط وتصب في مدينة السويس الساحلية الواقعة على البحر الأحمر ، وحينما تولى الرئيس جمال عبد الناصر مهام الرئاسة في مصر قام بتأميم قناة السويس بجعلها شركة مساهمة مصرية من بعد سنوات طويلة من السيطرة الفرنسية عليها.