قد مضت سنة الله عز وجل في مخلوقاته أنه يختار ما يشاء، فاختار من الشهور شهر رمضان، ومن ليالي هذا الشهر، ليالي العشر الأواخر، ومن هذه الليالي المفضلة ليلة القدر، فهي خيار من خيار من خيار.
لماذا سميت ليلة القدر؟
لأن الله يقدر فيها الأرزاق، وأمور العباد، وتأخذ الملائكة صحاف الأقدار عاماً كاملاً من ليلة قدر إلى ليلة قدر أخرى، فلا يبقى جليل ولا حقير إلا كتب الله أمره عاماً كاملاً، قال تعالى :"إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم."؛ لأن الله أنزل فيها القرآن وهو أعظم ما يكون من الكتب قدراً؛ لأن الإنسان يعظم قدره فيها إذا أحياها، لذلك قد تكتب السعاد لإنسان بعد إحيائها، فإحياؤها افضل من عبادة 84 عام؛ لأن الأرض تضيق والقدر هو التضييق، أي ضيق عليه؛ لأن الأرض تضيق من كثرة الملائكة التي نزلت من السماء.
ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر وعدم معرفتها؟
لو علم الاخيار والأشرار لتسلط الأشرار على الناس بالدعاء، وقد يسأل الناس ربهم فتن الدنيا التي تكون سبباً في شقائهم في دنياهم وأخراهم.
وتبيان الصادق في طلبها من المتكاسل؛ لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليال ليدركها.
ليلة القدر على الأرجح أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، لكن الحديث المتواتر عن رسول الله لا يحدد أيهن من العشر الأواخر، بيد أن الثابت منه أنها ليلة فردية لا زوجية.
أهم الوصايا في هذه الليلة:
علينا اتباع هدي النبي فيما كان يفعل في هذه الليلة، فقد قالت أم المؤمنين عائشة أنه بمجرد دخول العشر الأواخر: (شد مئزره أي اعتزل نساءه)، وأحيا ليله (أي أقام الصلاة حتى بزوغ الفجر)، وأيقظ أهله (أي لم يشأ ضياع ما في هذه الليلة من أجر على أهل بيته جميعهم).
لليلة القدر مكانة عظيمة وفضل عظيم، أنزل الله تعالى فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فيما يعرف بالانزال الأول، العمل الصالح فيها من صلاة وتلاوة للقرآن وتعبد وتهجد واستغفار ودعاء خير من عبادة ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخير: هو ثواب العمل فيها، وما ينزل فيها من الخير والبركة، ذكر الله تعالى في القرآن أن ما يحدث في هذه الليلة هو نزول للملائكة شيئاً فشيئاً لأنهم سكان السموات والسموات سبع، ونزول الملائكة على الأرض عنوان رحمة وخير، ولهذا إذا امتنعت الملائكة عن دخول مكان قدر يخلو من هذا الخير، "سلام هي حتى مطلع الفجر": أي أنها سلام لكثرة من يسلم فيها من الآثام والعقاب والعذاب، فقد روي عن الرسول أن:" من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
اسأل الله أن نكون مما يبلغون رمضان وليلة القدر، ويوفقون لقيامها، ويعيننا على الإخلاص فيها، والخشوع فيها، ويغفر لنا ويرحمنا.