الحيض في اللغة هو السيلان، واصطلاحاً هو هو الدم الذي يرخيه رحم المرأة إذا بلغت، وسمِّي دم الحيض بذلك نظراً لسيلانه من رحم المرأة. نزول دم الحيض والنفاس من الأعذار الشرعية التي تعفي المرأة المسلمة من خُمسي الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلمين، فهي أثناء الحيض والنفاس لا تصوم ولا تُصلِّي، فيسقط عنها هذان الفرضان في هذه الأيام. ولكن هذا لا يعني أن ترتخي المرأة وتفتر في شهر رمضان المبارك عن كل ما عدا ذلك، فتقض وقتها في اللهو ومشاهدة التلفاز وتنسى الأمور الأخرى التي لها من الأجر العظيم. ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد (إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا، ولا سلكتم طريقا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر)، أي أنهم لم يخرجوا إلا لعذرٍ قاهر منعهم، فهؤلاء لهم من الأجر مثل ما للمجاهدين من الأجر؛ لأنهم كانوا يريدون الجهاد بنيَّةٍ صافية. وهذا حال الحائض إذا كانت تنوي الصيام بنية صادقة ومنعها الحيض من ذلك. وفي قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما).
الحيض ليس مرضاً ولا عيباً وليس بالشيء الذي يدعو إلى الكآبة والإبتئاس، بل هو أمر فرضه الله سبحانه وتعالى على بنات آدم، كم في حديث السيدة عائشة، يوم أصابها الحيض وهي في الحج: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ وأنا أبكي، فقال: (ما لك أنَفِسْتِ). قلت: نعم، قال: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم)، فهو ليس بالشيء الذي يدعوك أختاه إلى الإنطواء على نفسك لضياع العبادة في شهر رمضان المبارك؛ ولا بالشيء الذي يدعوك إلى الإستهتار واللهو طوال أيام هذه الفترة. ففي فترة الحيض في شهر رمضان؛ ما زال بإمكانك القيام بكافة الأعمال التي تؤجرين عليها؛ ولا تنسي أن لهفتك للصيام والصلاة والعبادة أمرٌ تؤجرين عليه إذا كانت نيتك صادقة خالصة.
يمكن للمرأة في فترة الحيض أن تذكِّر زوجها وأطفالها بالصلاة وتوقظهم على أوقاتها، وتحثُّهم على الصلوات والنوافل، تأمرهم بالمعروف وتذكِّرهم بفضائل الشهر الكريم؛ وتدفعهم نحو الأعمال التي يؤجرون عليها. كما يمكنها أن تقضي نهارها بالذِّكر والإستغفار، وقرآة القرآن ولكن دون مسِّه، فيمكن أن تقرأه عن ظهر قلب أو بوجود حائل، كأن تضع منديلاً تمسك به القرآن. الإكثار من الإستغفار وذِكر الله، الإكثار من الحمد والتسبيح والتهليل؛ والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إجابة المؤذن بعد الأذان والدعاء ما بين الأذان والإقامة لقوله عليه السلام (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة). ولا تنسي أختي أجر إفطار الصائم، فما زال بإمكان الحائض أن تُعدَّ طعام الإفطار لزوجها وأطفالها، وفي هذا أجرٌ كبير لقوله صلى الله عليه وسلم (من فطرصائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً). ولا تنسي الإكثار من الصدقات وإرسال الطعام إلى الفقراء والمحتاجين لاحتساب الأجر.
فترة الحيض ليست للراحة والإستجمام في شهر رمضان المبارك، فالحيض ليس مانعاً للمرأة من أن تأخذ أجراً عظيماً، ولكنه مانعٌ لضعيفات النفوس من تحصيل الأجر الذي يعدهم الله سبحانه وتعالى به.