الفصول الأربعة كأثواب ترتديها الأرض فتتزين بها وتجعلها أكثر جمالاً وبهاءً ونضرةً، يزدان الوجود بها وهي التي تعطي للحياة لونها الجميل، وهي التي بها يتجدد كل قديم، فدورة الفصول الأربعة تعني بداية حياة جديدة ومرحلة أخرى من مراحل الأرض، يتجدد من حولنا كل شيء، وبدونها ستبدو حياتنا كقطعة جامدة لا لون لها أو طعم كئيبة مملة.
على أعتاب حزيران نستقبل اجمل وافضل فصول السنة وأحرّها هو فصل الصيف صاحب الظلال والجمال، يلون لنا الكون بأقلامه السحرية فتطرب لألحانه الأشجار، وتتراقص مع نسيمه العليل الأزهار.
الصيف هو أعذب الفصول الذي فيه تبسط الأرض بساطها الأخضر، وتغرد الطيور بهجةً وسروراً بالقدوم فهو فصل تكاثر وتزاوج للكثير من الأنواع الحية، وفيه تكتسي الأشجار بلون الطبيعة حيث الثمار الطيبة في كل مكان تتفتح الأزهار، هو فصل تشكّل الندى ذاك المنظر الخلاّب الذي يسحر الألباب في حلته تلك في كل صباح، كتب بسحره الشعراء قصائد عشقٍ لا تنتهي فهو بالنسبة لهم فصل العشّاق حيث الورود ورياح الصبا التي تنعش القلب السقيم في وقت الأصيل، ومنظر الغروب الخلاّب كعروس في حنائها تزف إلى عريسها البحر في موكبٍ مهيبٍ من الروعة والدهشة، يلقي سحره على النفوس التي طالما انتظرته لتصفق لهما بما يختلج الصدر من الشعور بالنقاء والصفاء والراحة، ثم ما إن تغيب الشمس حتى تطل لنا نجوم المساء كنجوم تتلألأ وسط جو من العتمة التي لا تكاد ترى بين تلك الأنوار، هي الطبيعة بكل ما فيها تسلم عرشها لهذا الفصل الرقيق ليبهجنا بكل ما فيه.
الصيف فصل العمل والجد عند بعض الحيوانات والحشرات كالنمل والنحل استعداداً لفصل الشتاء، وترتفع فيه درجة حرارة الأرض من أجل دورة ماء أخرى جديدة والتي هي أساس الوجود على سطح البسيطة فمن دورة الماء هذه تتكون الغيوم نتيجة لتبخر الماء في الصيف والتي تسقط في فصل الشتاء على هيئة غيث يسقي عطش الأرض وجدبها.
في الصيف تكثر الرحلات إلى البحار والمنتجعات والسهرات والحفلات يعد عند الناس فصل الأفراح، ويجد الناس فيه فرصة للسفر والتزاور وقضاء الإجازات الصيفية فهو كما يراه البعض فصل الرفاهية والراحة والمتعة، حيث يطول النهار ويقصر الليل،
الصيف هو درة الفصول التي في ضوئها أحسسنا بقيمة الحياة، ومن شذى رحيقه تنفسنا عطر الوجود، هو مركب يأخذنا لشطآن بعيدة ويعيدنا إلى أنفسنا بذهول لا ندرك ماهيته حتى ننسى أنفسنا، ونغرق حيارى في فضاء رونقه وجماله وروعته، كأننا لسنا نحن وكأنه يعانق جراح الروح فيشفيها ويحيي كل أمل فيها غاب، وينثر عنها رماد الحزن فتغتسل بنداه لتعود من جديد تحلق كطير يجوب الأرض مرحاً.